الاستهداف العسكري لإيران بين مؤشرات الواقع والعقلية السائدة !!

الاستهداف العسكري لإيران بين مؤشرات الواقع والعقلية السائدة !!

تختصر صحيفة هآرتس ( العبرية) أحد أهم الأزمات النفسية-الثقافية وحتى السياسية والتي تتحكم في كل عقلية الكيان الصهيوني حكومات أو أفراد بالجمل التالية:

( متلازمة المرشح الاميركي للرئاسة هي علة جينية تعانيها كل حكومة اسرائيلية بشكل خاص، والمجتمع الاسرائيلي بشكل عام. أعراض المتلازمة معروفة وهي تظهر كألم عضال، كل أربع سنوات. أبرزها هو أنه في لحظة واحدة تكون اسرائيل فيها واثقة بأنها هي التي تنتخب الرئيس الاميركي وفي يديها يوجد الحسم من سيقود الولايات المتحدة والعالم بأسره. ولما كان لا يمكن حبس دولة كاملة في تجميد صحي لقليلي العقل، لا يتبقى سوى تبني هذه المتلازمة كأنها هي الحقيقة المطلقة. هكذا يتصرف الناس في الأمة النابليونية، بالمفهوم المرضي). هآرتس 1/8/2012

تسليط الضوء على مشكلة ما في معتقدات هذا الكيان  ليس موضع اهتمام ، لكن المهم هو تحريك تلك  العقلية الارتدادية التي تملكت العقل العربي المهزوم نتيجة انكسارات الأنظمة المتلاحقة، هذه العقلية تعتقد بذات العقيدة أيضا، فهي لاترى بالكيان العبري سوى المحرك المطلق لإرادات العالم بأسره، فعلى الرغم من اهتزاز هذه العقلية منذ انتصار تموز 2006 و غزة 2008 وتعزز هذا النصر بالثورات العربية على أكثر الأنظمة تطبيعاً مع الكيان، إلا أن مفردات هذه العقلية مازالت تتحكم في كثير من التحليلات السياسية التي تعالج قضايا المنطقة.

وفقاً لهذه العقلية يتم التعاطي مع المواجهة العسكرية المحتملة بين ايران والكيان الصهيوني ، فبينما يؤكد نتنياهو مراراً وعوده باقتراب الضربة العسكرية  مبدياً عدم اكتراثه بموقف قادته العسكريين (صرح نتنياهو لوسائل الإعلام أن قرار الحرب ضد ايران هو قرار على المستوى السياسي وعلى المستوى العسكري التنفيذ) وحتى من دون دعم الولايات المتحدة ، يسارع البعض إلى تصديق روايته حول اقتراب موعد الضربة الخاطفة لإيران وإنهاء مشروعها النووي.

تساهم وسائل اعلامه بالترويج لهذه الفكرة فما سربته هآرتس عن قيام دونيلدون مستشار الأمن القومي الأمريكي بتسليم خطة سرية  لنتنياهو تشمل ضربة عسكرية لإيران من الولايات المتحدة يشير بوضوح إلى ذلك، رغم أن البعض لا يرى فيها أكثر من تسريبات إعلامية تهدف إلى تطيمن مخاوف الرأي العام في الكيان من احتمال تخلي الولايات المتحدة عن (اسرائيل)، كما أن توجه بعض القطع العسكرية  الأمريكية إلى الخليج يعتبر مؤشراً عسكرياً آخر، كما أن تعهد الولايات المتحدة بتقديم مساعدات إضافية بقيمة 70 مليون دولار لتمويل تطوير مشروع القبة الحديدية يندرج أيضاً في سياق التحضيرات الأخيرة ، و يشير البعض إلى اجراءات اقتصادية اتخذتها حكومة الكيان  كخطط التقشف ورفع الضرائب على الرغم من التوترات الاجتماعية التي تعصف بها وتهدف إلى تمويل السيولة اللازمة للمعركة القادمة.

من يصنع القرار؟

يعتقد البعض أن قرار ضربة عسكرية لإيران هو قرار (اسرائيلي) بامتياز ، وقد يتم دون الرجوع إلى واشنطن ، لكن الصحيح هو أن هذا القرار هو قرار استراتيجي بحت لايمكن اتخاذه حتى في واشنطن وحدها خاصة ضمن تعقيدات المرحلة الراهنة.

إن دوافع الحرب الأساسية ليست إلا دوافع اقتصادية بحتة ، أي أنها مرتبطة بشكل مباشر بتأزم وضع الرأسمالية الدولية والتي تتربع على عرشها الولايات المتحدة ، ومن الواضح حتى اللحظة أن المؤشرات الاقتصادية تشير إلى المراوحة في المكان فالبطالة في تزايد والنمو في تباطؤ رغم كل اجراءات التحفيز.  إن هذه المؤشرات السلبية تضع في الآفاق المنظورة  فكرة الحرب كضرورة لإنعاش اقتصادات العالم الرأسمالي، ولكن من المعروف أن الحروب هي أعلى الحلول تكلفة لخروج الرأسمالية من أزمتها فماذا فيما لوكان الأفق يحمل احتمال الهزيمة؟!

يدل ماتقدم على أن قرار حرب كهذا هو قرار من العيار الثقيل ، وهو أشبه بالجالس على غصن يقوم بنشره في انتظار منقذ إلهي ، ما يهمنا هو وضوح فكرة صنع قرار كهذا وما ينبغي توضيحه هوالدور(الاسرائيلي) المبهم والملتبس في دوافعه. يمكن الجواب من خلال التوصيف الدقيق للوظيفة والدور التاريخي الذي اُنشئ من أجلها الكيان الصهيوني  وهو أن هذا الكيان ليس إلا قاعدة عسكرية متقدمة  للرأسمالية الدولية ، أي أن ل(إسرائيل) مهمة واضحة قد تكون هذه المهة تطورت تاريخياً لتعطي ملامح استقلال ما لهذا الكيان وهذه قضية من الصعب تأكيدها الآن، لكن الأدق هو أن هذا الكيان لايستطيع أن يخرج عن هذه الوظيفة العسكرية الأمنية البحتة طالما أنه فشل بفرض التطبيع على معظم شعوب المنطقة،  فالاستقلال النسبي منشؤه حالة الاستقرار أما الحديث عن التطور الاقتصادي أو العلمي أو العسكري للكيان فهي لاتشكل مؤشرات استقرار وبالتالي لايمكن الحديث عن ملامح استقلال جدية عن مركز الرأسمالية الدولية.

ويجب التذكير في سياق الحديث عن صانع قرار الحرب أن أكثر من نصف احتياجات الولايات المتحدة من الطاقة تأتي من هذه المنطقة عداك عن احتياجات  دول مراكز الاتحاد الأوروبي والصين، وهذا يعني أن أي توتر في الخليج سيؤدي إلى نقصان في امدادات الطاقة مما سينعكس سلباً على الإنتاج في اللحظة التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى الولايات المتحدة أزمة كساد حادة، إن كل هذه الحقائق تؤكد أن الدور (الاسرائيلي) لايمكن إلا أن يكون تابعاً لمصالح الإمبريالية العالمية التي تنظم خيارات الخروج من أزمتها سواء بإجراءات اقتصادية أو عسكرية.

ضربة خاطفة أم حرب كونية

يدخل الحديث عن الشكل الملموس للحرب القادمة أيضا في سياق التكهنات، فما يروج له الكيان العبري هو ضربة خاطفة على غرار الضربة الموجهة لمفاعل تموز في العراق في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن هذا التصور هو تصور ساذج ويدخل في سياق تسفيه قوة الردع الإيرانية وهو مبني على نظرية ضعيفة الاحتمال. تقول هذه النظرية « أن الرد الايراني سيكون فقط على حجم الضربة العسكرية الصهيونية ، اي أنه رد محدود»  في الوقت الذي يقدر فيه هؤلاء بأن الضربة العسكرية ستؤدي إلى تأخير تصنيع ايران لسلاح نووي لفترة تمتد بين 6 اشهر إلى سنتين بأفضل تقدير، ويستنتج هؤلاء أن الايرانين لن ينجروا إلى عمل تصعيدي مفتوح يكون مدمر لمقدرات الدولة بل سيكونون مشغولين في إزالة الآثار الأولية للعدوان المفترض  والمضي قدماً رغم التأخير. وفي مقلب آخر يرى بعض المحللين الاسرائيلين بناء على هذا التصور» أن هكذا ضربة قد تكون حافزاً مسرعاً لامتلاك ايران لسلاح نووي». اذاً وفي كل الاحتمالات سواء تأخر الايراني من خلال هذه الضربة أم تسارعت وتيرة أدائه لن يكون هذا الخيار خياراً فعالاً مالم تحدد آليات أخرى تحول من عدم تقدم ايران اللاحق، وهو مايسمح بالتكهن بأن اصحاب هذا الخيار يعولون  على استعادة الولايات المتحدة لعافيتها الاقتصادية وإعادة ترتيب المنطقة بتحييد سورية وحزب الله إضافة إلى شل الاقتصاد الايراني من خلال العقوبات ودعم التوترات الاجتماعية  إلى أن يحين موعد الضربة النهائية المؤجلة. يبدو هذا التصور الأكثر واقعية لكنه مبني على منطق غبي منشؤه استغباء الخصم والاستعلاء عليه ، كيف لا وهي الخطة التي تبناها  رومني المرشح الجمهوري الحالي للرئاسة منذ خمس سنوات في مؤتمر هرتزيليا الصهوني. طبعاً ما نفذه أوباما حتى اللحظة هو أجزاء من ذات الخطة ولكن اجترار الحديث من رومني هو لا أكثر من تغطية على فشل جزء واسع من الخطة على مايبدو، حيث يستدعي هذا الفشل تغطيته بتصورات ساذجة كأن يروج لفكرة القوة الناعمة أي أن اوباما / الديمقراطيين كان رحماء للايرانيين  وأن الخطة المطلوبة لم تنفذ بعد !

إن هذا السناريو هو السناريو الأضعف لأنه أساساً لايحل المشكلة، أي أنه لايؤمن مخرجاً من الأزمة الاقتصادية  لللامبريالية و الذي تستدعي حرباً من العيار الثقيل. وجدير بالذكر هنا أن هذا الخيار هو أحد الخيارات التي قد تتنازل عنها الامبريالية في معرض تطورات الصراع الدولي وتطور التقنيات العسكرية عند الخصم أي أن خيار الحرب قد يكون خياراً معبراً عن تراث امبريالي صار من مخلفات الماضي وهو الآن غير قابل للتطبيق، لكن من الصعب الحسم بهذه الفكرة حتى اللحظة ومايتم التحليل وفقه هو الافتراض الكلاسيكي أن لاخروج من أزمة الرأسمالية إلا من خلال حرب.

إنه لمن المؤكد أن الرد الايراني سيأخذ بالحسبان أولاً التراجع الأمريكي الحالي إضافة للقدرات العسكرية الضخمة لإيران وحلفائها في المنطقة، فحزب الله وحده وهو تنظيم عسكري صغير يتعاطى في كل لحظة لمواجهة  الكيان بضرورة تنمية  قواه العسكرية أي أنه كما ايران وحتى السوريين كانوا يعدون لهكذا لحظة خلال الفترة الماضية  وذلك للانقضاض فيما لو تهور (الاسرائيلي) وبذلك لن تكون هذه اللحظة إلا لحظتهم التي انتظروها، والحديث عن احتمالات التباطؤ في الرد لا يعني إلا تسليماً بعقيدة التفوق التي يتمتع بها الكيان الصهيوني وفي هذا استهتار أحمق و رجعي لما عنته كل من حرب لبنان  2006  وحرب غزة 2008 وأزمة الرأسمالية العالمية في 2008 وأزمة اليورو والثورات العربية  والفيتو الروسي- الصيني  حيث تؤكد كلها  أن هناك قطباً عالمياً اهتز ولا مجال للعودة وعلى الحمقى فقط مراجعة الحسابات. .