سيناء... أنين كامب ديفيد المكبوت
يلف التباس وغموض كبيران ماجرى في سيناء، وكأن صاعقة ما ضربت أرض الفيروز. أمام المشهد الملتهب في تشييع جثامين الشهداء الستة عشر انتظرت ملايين الأقلام لتسجل ردود أفعال القادة الجدد مرسي والمشير طنطاوي ورئيس الوزراء الجديد ، المصريون كلهم ينتظرون الرد الذي يخفف من وطأة الدماء، الكيان الصهيوني أيضاً ينتظر اجراءات مشددة تؤمن أمن الحدود معه ، الفلسطينيون على الطرف الآخر يتخوفون من تبعات إغلاق معبر رفح، والولايات المتحدة تراقب مدى صمود اتفاقية كامب ديفيد المرعية من قبلها منذ عام 1979.
تداولت وسائل الإعلام وكل المتحدثين رواية واحدة لما حدث على الحدود وعن ما هو معلن من كل الجهات الرسمية وغير الرسمية في كل من مصر و(اسرائيل) ، ومجرد التوافق في الروايات هو مثار التباس مما يعني صعوبة تحليل ماحدث فعلاً. إن طبيعة الحدث لاتعطي انطباعاً واضحاً حول مصلحة محددة لأي من الأطراف المحتملة سواءً كان في جانب الكيان الصهيوني أو في الجانب الفلسطيني أو في الجانب المصري ويبقى السؤال مفتوحاً عن غاية الحدث، فهل هو في مصلحة الشعب المصري أم مصلحة عدو الشعب المصري الأول أي الكيان العبري؟!. تقول الرواية باختصار أن حوالي 35 من المسلحين هاجموا مجموعة عسكرية مصرية وقاموا بقتل 16 عشر جندياً وإصابة حوالي 15 آخرين ثم قادوا المدرعة المأخوذة من عناصر القوات المسلحة واتجهوا إلى الحدود مع الكيان لتواجههم طائرات الأباتشي الصهيونية وتقصف هذه المدرعة وتقتل 5 من المهاجمين. يراد للمشهد أن يخرج على مقاييس الإعلام الغربي وتوابعه وفق الصيعة التالية: ( العملية عملية انتحارية يسلكها غالباً بعض التنظيمات الجهادية التي ترعاها التنظيمات الإسلامية المتطرفة في كل من غزة وسيناء) هكذا أكدت معظم التحليلات الرسمية لتوحي أن رفح وسيناء تعج بهؤلاء الجهاديين الأصوليين المنفلتين من قيم الأخلاق فهم لايميزون بين مصري أو صيهوني !!.
الرد المصري الرسمي كان واضحاً سواء من الرئيس مرسي الذي توعد بالقصاص من القتلة متبنياً رواية المسلحين المتطرفين، فيما تحدث اخوانه في جماعة الإخوان عن امكانية ما لتورط الموساد في هذه العملية، فيما جاء رد المجلس العسكري حازماً حيث أعلن بيان المجلس ساعة الصفر لعملية تطهير سيناء واصفاً العملية بأنها العبور الثاني، سرعان ماترجمت جملة هذه الردود على الأرض بقيام الرئيس مرسي بإقالة كل من مدير المخابرات العامة ومحافظ سيناء كما أعلن الجيش في وقت لاحق مقتل 20 شخصا من المسلحين في عملية عسكرية استخدم فيها طائرات الأباتشي وفرقة المشاة الثانية في عملية عسكرية واسعة تهدف إلى تمشيط المنطقة كما ترافقت هذه الحملة مع تدمير كافة الأنفاق الممتدة بين رفح وغزة .
أما على الصعيد الشعبي فقد شهد الشارع غلياناً واضحاً ضد الإخوان المسلمين والرئيس مرسي فقام المشيّعون بالهتاف ضد الإخوان و بضرب رئيس الوزارء الجديد هشام قنديل وضرب المتحدث باسم حزب النور السلفي ، و غاب الرئيس بشكل مفاجئ عن التشييع مبرراً ذلك بسعيه لعدم خنق الحضور الشعبي بإجراءات أمنية تخص سلامته ! كما حضر المشير طنطاوي وكثير من القوى التي يصفها البعض بالفلول كأنصار أنور عكاشة أحد أزلام النظام قبل رحيل مبارك والذي حضر شخصياً في التشييع.
من الواضح أن الصورة الأولية المرسومة للحدث يراد منها أن تؤدي خدمة ما للكيان العبري، الخدمة المطلوبة ذاتها من النظام في عهد مبارك فال(جهاديون) المتطرفون هم أعداء مصر كما هم اعداء (اسرائيل) والمجتمع الدولي ومصدرهم هو رفح وسيناء وهما تحتاجان إلى تشديد القبضة الأمنية على الجانبين !! المطلوب من القبضة الأمنية في هذه الحالة أن تحافظ على كامب ديفيد لا أكثر، خاصة بعد أن لاحت احتمالات هزها من الشارع المصري الثائر، فلو سلمنا أن الأنفاق هي السبب فعلينا قبل أن نغلق الأنفاق أن نتحدث عن فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين ليتوقفوا عن ابتكار وسائل غير شرعية، وفيما لو تحدثنا عن متطرفين فهذا سيفتح التساؤل عن واقع اقتصادي اجتماعي مجحف تعيشه سيناء بفعل التهميش العام والذي يزداد بفعل اتفاقية كامب ديفيد خاصة لأن الوضع الأمني غير مستقر بفعل بنود الاتفاقية حيث لايمكن إدخال العديد من التجهيزات العسكرية أو حتى زيادة عدد القوات، اذا مايجري التغطية عليه قبل أي تحليل أمني لهذه العملية هو واقع اتفاقية كامب ديفيد المهين والذي أكد رئيس مصر مابعد الثورة أنه لاتراجع عنها رغم كل ماحدث !!