الغلاء يهدّد بتفجير الغضب الشعبي في مصر آدم مورو وخالد موسى العمراني

الغلاء يهدّد بتفجير الغضب الشعبي في مصر آدم مورو وخالد موسى العمراني

كادت أسعار معظم المواد الغذائية الأساسية في مصر تعود إلى الهبوط مؤخراً بعد ارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة خلال الصيف الماضي. لكن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، إلى جانب عزوف الحكومة فيما يبدو عن اتخاذ خطوات فعالة لتنظيم السوق، لا يزال مصدراً هاماً لتصاعد الغضب الشعبي في مصر.

 

وصرح حمدي عبد العظيم، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية ومقرها القاهرة، أنه على الرغم من تراجع الأسعار «فلا تزال الحالة يائسة». وحذر أنه في حال استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية «سوف ينفجر الغضب الشعبي ضد الحكومة».

فقد سجلت أسعار العديد من المواد الغذائية الأساسية في أواخر الصيف ارتفاعاً هائلاً مباغتاً، شمل أسعار السكر والأرز وزيت الطهي والقمح. وأُضيف هذا الارتفاع إلى الزيادة الكبيرة التي سجلتها أسعار لحوم البقر والدواجن، بنسبة 25 في المئة و40 في المئة على الترتيب منذ بداية العام الجاري، وفقا للبيانات الرسمية.

أما الفاكهة والخضروات فقد سجلت أسعارها زيادة قياسية، وتضاعفت أسعار البطاطا والخيار والفاصوليا بين عشية وضحاها، وارتفعت أسعار التفاح ثلاث مرات في بعض المناطق.

وبلغ ارتفاع أسعار الطماطم، التي لا يمكن الاستغناء عنها في الوجبات المصرية، أكثر من 600 في المئة في بعض المحافظات، من 1.50 جنيه (26 سنت من الدولار) للكيلو الواحد إلى 13 جنيه (2.2 دولار).

وشكا محمد مصطفى، وهو مهندس حكومي (40 سنة) من القاهرة وأب لثلاثة أطفال، أنه «بهذه الأسعار، لا يغطي راتبي الشهري سوى ما يكفي من الغذاء لمدة عشرة أيام».

وشهد سبتمبر وأكتوبر مظاهرات عامة متكررة وعلى نحو متزايد للاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار. ودعا المتظاهرون الغاضبون في العديد من الحالات الرئيس حسني مبارك للتدخل.

وأفاد عبد العظيم أن «المظاهرات العامة في كلِّ المحافظات جذبت أعداداً متزايدة من المحتجين على الرغم من عدم تردد قوات الأمن في إخمادهما بالعنف».

وأكد أن هذه هي المرة الأولى التي تشهد مصر فيها مثل هذه الاحتجاجات الكثيرة والكبيرة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ عام 1977.

في تلك السنة، أصدر الرئيس المصري الراحل أنور السادات قراراً برفع أسعار العديد من السلع الغذائية المدعومة، ما أثار موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية في كافة أرجاء البلاد، دفعت السادات لعكس هذا القرار.

وفي أوائل أكتوبر، دعا مبارك إلى اجتماع مع المحافظين حيث أمر باتخاذ الخطوات الرامية لضبط الأسواق المحلية. وبعد عشرة أيام، أعلن مجلس الوزراء المصري قراراً بإلغاء الرسوم الجمركية على بعض المواد الغذائية المستوردة ووضع آليات جديدة «لمراقبة» السوق.

ومع ذلك، يؤكد الناقدون أن هذه التحركات لم تفعل شيئاً يذكر لتحسين الوضع. وقال عبد العظيم «كان الهدف من هذه التدابير هو مجرد تهدئة الغضب الشعبي... ولكن من حيث النتائج الملموسة، فقد ثبت أنها لا تذكر. الأسعار لا تزال مرتفعة كالمعتاد».

وشاطر هذا الرأي أيضاً محمد سامي، الأستاذ المساعد في مركز الصحراء للأبحاث التابع لوزارة الزراعة، ومقره القاهرة. وصرح أن «النظام لم يفعل شيئا يذكر أكثر من لعب دور المتفرج».

وقال إنه «لا يوجد بلد آخر في العالم تدعو فيه الجماهير رئيس الدولة للتدخل شخصياً لحل أزمة نقص الغذاء».

وقد حاولت الحكومة إعفاء نفسها من مسؤولية الأزمة من خلال إلقاء لوم غلاء أسعار السلع الغذائية، وخاصة الخضروات والفاكهة واللحوم، على الارتفاع غير العادي في درجات حرارة الصيف. وردد المسؤولون أن الطقس كان حاراً هذا العام بصورة غير عادية، وهو ما قضى على المحاصيل وتسبب في هذا النقص المفاجئ.

وقال رئيس الوزراء أحمد نظيف في منتصف أكتوبر إن ارتفاع أسعار الخضروات واللحوم هو نتيجة لانخفاض المحاصيل السنوية «بسبب الظروف المناخية السيئة» وهذا ليس في يد الحكومة.

لكن محمد سامي يؤكد أن النقص يرجع لأسباب عديدة وليس لمجرد حرارة الطقس. «كانت موجة الحر هذا الصيف مسؤولة جزئياً فقط عن نقص الفاكهة والخضروات(...) فبالإضافة إلى الطقس الحار، كان هناك أيضاً الفيروس الذي أصاب محصول الطماطم هذا العام، والذي قضى على نحو 80 في المئة من محصول الصيف».

فجاءت معلومات مزارعي الطماطم لتؤكد وجهة نظر محمد سامي. فقال محمد خيري، مزارع الطماطم بمحافظة البحيرة بدلتا النيل، «لقد دمر الفيروس معظم محصول الصيف، الذي انخفض هذا العام من 50 طنا للدونم الواحد إلى مجرد 10 أطنان». وأضاف «حاولت الحصول على مساعدة من وزارة الزراعة، لكن نداءاتي وقعت في آذان صماء».

ويشير المنتقدون كذلك إلى أن التجار الاستغلاليين قد تسببوا في تفاقم أزمة نقص الإنتاج، في حين تبدو الحكومة مترددة في تنظيم أنشطتهم.

فقال سامي «التجار عديمو الضمير، استغلوا النقص لرفع أسعار البيع بالتجزئة إلى أعلى مستوى، ما در عليهم أرباحاً هائلة... وواصلت الحكومة السماح لهم بالإفلات من العقاب».

وذكّر الخبير الاقتصادي حمدي عبد العظيم بأن النظام الحاكم في مصر يتكون إلى حد كبير من رجال الأعمال و«التجار الاحتكاريين». واستطرد أن «النظام، الذي يتسم بالفساد الاقتصادي والفوضى، لا ينظم السوق المحلية أو يتحرك لكسر الاحتكارات». وفي الوقت نفسه، يلعب المجتمع المدني المحدود والمقيد في مصر دوراً لا يكاد يذكر في مجال حماية المستهلكين، وفقاً لعبد العظيم.

ورفض الخبير الاقتصادي الفكرة القائلة بأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يمكن أن يعزى فقط إلى «الأزمة المالية العالمية» كما تدعي السلطات الرسمية المصرية.

«لقد أدت الأزمة العالمية إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية في جميع أنحاء العالم ، لكن ارتفاع الأسعار في مصر لا علاقة له بحالة الركود العالمي. وعندما تنخفض أسعار بعض المنتجات على الصعيد الدولي، فإنها تستمر مع ذلك في الارتفاع في مصر».

ولقد استقرت أسعار الفواكه والخضروات تدريجياً مع قدوم موسم محاصيل الخريف في أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر، وإن كانت لا تزال تعتبر نحو 20 في المئة أعلى من المعتاد. وعادت أسعار الطماطم أيضا للهبوط إلى حوالي 2 جنيه للكيلو الواحد.

وأضاف عبد العظيم «والآن وقد عادت أسعار الطماطم للانخفاض، ارتفعت أسعار السكر فجأة(...) يبدو أنه كلما استقر سعر سلعة، تبدأ أسعار بعض السلع الغذائية الحيوية الأخرى في الارتفاع».

ويذكر أخيراً أن الاحتجاجات (المعيشية) تراجعت أيضاً هذا الشهر «لأن اهتمام الرأي العام يركز الآن على الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر» وفقاً لعبد العظيم الذي أوضح أن «هذا لا يعني أن غضب الرأي العام قد توقف عن الغليان بسبب الارتفاع المطرد في تكاليف الغذاء».

• نشرة (آي بي إس)

آخر تعديل على الأربعاء, 09 نيسان/أبريل 2014 21:27