الذكرى الثانية لثورة يناير.. صفعة بوجه الإخوان
أحيا المصريون ثورتهم بعد عامين على نجاحها بالإطاحة برموز النظام السابق، بالدم. فخلال الاحتجاجات التي شهدتها ميادين مصرية عدة بذكرى ثورة 25 يناير، عادت الشعارات ذاتها لترتفع بوجه الرموز الجديدة للنظام المعاد إنتاجه، وعلى رأسهم رموز حركة الإخوان كالرئيس محمد مرسي والمرشد العام للإخوان.
رفعت الجموع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» و«يسقط حكم المرشد»، وفي خضم المواجهات سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى في حصيلة غير منتهية في مختلف مدن وميادين الاشتباكات ولاسيما في القاهرة والاسكندرية وبور سعيد والسويس.
لم تهدأ مصر ولن تهدأ حالياً على مايبدو، فما أُنجز حتى اللحظة يُعتبر من قبل الكثيرين تغييراً شكلياً طال رؤوس هرم النظام لا أكثر. والواقع المنقسم حالياً يدعم هذه الرؤية، فالجمهور المعارض لحكم الإخوان يشتكي حتى اللحظة من مشكلتين أساسيتين:
اتباع الإخوان لعقيلة الإقصاء ، وأخونة الدولة.
عدم إنجاز المهمات الثورية التي قامت لأجلها ثورة الخبز والكرامة.
يرد مؤيدو الإخوان على هذه القوى بعبارات مستمدة من خطاب النظام السابق، كالحديث عن المؤامرة على حكمهم، أو بإقصاء جموع الرافضين لهم كونهم «فلول»، وفي أحسن الأحوال يرى الإخوان أن «طبيعة المرحلة الانتقالية تتسم بالنزوع إلى الفوضى»، وعلى هذا فـ«الاستقرار هو رأس الأولويات».
لا يمكن إنكار أولوية الاستقرار كشرط لنجاح أي حكم في تنفيذ أي برنامج سياسي، وفي الحقيقة إن الكثير من القوى المعادية لمصر سعت وتسعى لدفعها إلى الفوضى سواء بوجود الإخوان أم بغيابهم، وعلى رأس هذه القوى الولايات المتحدة و«إسرائيل» والقوى الغربية. لكن هذه الحقيقة هي واقع سيواجه أية قوى سياسية حاكمة، طالما أن المطلوب من حالة عدم الاستقرار هو وأد الثورة واحتمالات تطورها، وصولاً إلى احتمال إسقاط الدولة المصرية. أي أن الذريعة الإخوانية التي يتشدقون بها على طول الخط هي ذريعة مبارك، وذريعة زين العابدين، وذريعة أي قوى سياسية موجودة في الحكم، طبعاً فيما لو تم التصديق بفكرة التناقض بين الإخوان والغرب.
لكن المشكلة أن هذه الحقيقة دفعت الإخوان المسلمين إلى اتباع النموذج السابق ذاته، الذي مارسته الأنظمة المعتلة في ترسيخ حكمها، وهي المشكلة الأولى الموصفة أعلاه، أي أخونة الدولة والإقصاء. إن هذه القوى تعتقد أن وجود قوى موالية للحركة في مفاصل الدولة ستدفع إلى تحقيق استقرار أمني يساعد على تنفيذ «برنامجها السياسي» المخزي. في الوقت ذاته وضمن هذا الخذلان غاب عن برنامج الإخوان وإجراءاتهم وضع مهمات «ثورية» هامة تخفف من غضب الجماهير، فلم يعملوا على أي تغيير جدي بالسياسة الخارجية، كما استمروا بسياسة الإقتراض من الخارج ودعم أسواق المال على حساب جيوب المواطنين ورفض إضرابات الطبقة العاملة، كما ظل القمع أداةً مشرعة في يد الحكم الجديد.
إن الفشل في حل المشكلة الثانية، «إنجاز المهمات الثورية» ناشئ عن بنية الإخوان العضوية، فهم أصحاب عقيدة براغماتية مواربة، لا تنزِع إلى المواجهة والتجذر، وبدلاً من أن يسعوا إلى تعديل هذه البنية للتكيف مع الثورة وشروطها، من باب الاحتواء على الأقل، ركز الإخوان على استقرار حكمهم بأي ثمن في محاولة لتكييف الثورة مع بينة الإخوان أي إجهاضها عملياً، (لايزال الإخوان يعانون من عقدة عدم مشاركتهم بثورة 25 يناير واختيارهم مبدأ الحوار مع مبارك خلال الأسبوع الأول من الثورة مما دفعهم لإطلاق الأكاذيب على لسان عصام العريان حول دورٍ لهم في بداياتها).
استخدم الإخوان براغماتيتهم للوصول للحكم ومن ثم بدؤوا بالإقصاء، مما وضعهم في تناقض واضح مع الكثير من القوى السياسية (رغم أن معظم القوى السياسية المعارضة لهم لاتملك برنامجا ثورياً)، بينما كانت الجماهير تبحث عن أي إنجاز ثوري، وهو غير موجود في برنامج الإخوان أصلاً، مما دفع إلى تسعير التناقض بين الإخوان والجماهير، وأدى إلى اغترابهم عن فئات واسعة من المجتمع وأطيافه السياسية وقواه الشعبية الثورية.
إن فشل الإخوان في استمالة أطراف سياسية عديدة، يعني فشلهم بتحقيق استقرار سياسي آني، كما أن فشلهم في تحقيق إنجاز ثوري سيجعل من إمكانية سقوطهم أمراً منظوراً، بينما يستمر الشعب المصري في رسم خريطة الثورة استناداً إلى تجاربه وهياكله التاريخية والحالية والناشئة، دون أي تراجع، فيما يبدو، حتى تكون ثورة ناجزة.