المناضل التونسي عبد الرزاق الهمامي: تونس ومصر أعادتا الاعتبار لمقولات الثورة العالمية
التقت قاسيون على هامش اللقاء اليساري العربي الاستثنائي، المناضل عبد الرزاق الهمامي رئيس الهيئة التأسيسية لحزب العمل الوطني الديمقراطي، وسألته عن أوضاع تونس_الثورة، فكان الحوار التالي:
حاوره: مهند دليقان
• كوامن الثورة موجودة لدى كل الشعوب المضطهدة والمستغلة, لكنها لم تنفجر سابقاً. ما هو الظرف العالمي الذي سمح لثورتي تونس ومصر بالتقدم؟
نحن نعتقد أن النظام الإمبريالي العالمي يمر بأزمة، هذه الأزمة هي أزمة متفاقمة بدأت مظاهرها البارزة كأزمة مالية وسرعان ما تحولت إلى أزمة عميقة وشاملة، الأمر الذي خلق مناخاً مناسباً لاهتزاز صورة النظام العالمي الجديد الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية والإمبريالية العالمية من ورائها، والتي كانت تخطط لوضع اليد على المنطقة العربية تحت مسمى كبير وعنوان كبير هو «مشروع الشرق الأوسط الكبير»، لكن هذا المشروع اصطدم بمقاومة عنيفة في العراق وفلسطين ولبنان وفي أماكن أخرى, ولم يعد من حل أمام الإمبريالية إلا بالمضي قدماً بافتعال الحروب وافتعال الأزمات تحت ذرائع مختلفة من بينها ما سمي «محاربة الإرهاب». تطور الأزمة وتفاقمها والخسارات المتتالية للإمبريالية، أعاد الاعتبار لمقولات الثورة العالمية، وأعاد الاعتبار لمقولات رفض الامبريالية، وأدخل الأنظمة الموالية للامبريالية بأزمات عنيفة، لأن هذه الامبريالية تحكم من خلال أنظمة عميلة لها، وتمتاز هذه الأنظمة بفسادها السياسي الممثل بالديكتاتوريات، وفسادها المالي من رشوة وعدم شفافية، وأبرز النماذج على ذلك تونس ومصر.
• هل كانت مصادفة أن تبدأ الثورات في تونس ومصر؟
ليست مصادفة أن يسقط رأس النظام المصري ورأس النظام التونسي، وهما من أوفى الأوفياء للولايات المتحدة الأمريكية، في مناخ عام من عودة الاعتبار للنضال الثوري، ولمقولات انتزاع الحقوق ومقاومة الاضطهاد والاستغلال والهيمنة، سواء كان ذلك في مستوى رأس النظام الإمبريالي، أو في مستوى امتداداته الفرعية في المنطقة وفي مختلف الأقطار..
• ثورة الياسمين لتونس, وثورة البنفسج لمصر، أليست مشابهة لأسماء الثورات الملونة؟
بالفعل هذه التسميات ليست بريئة، والكثير من الأشياء التي نشرت وتنشر وستنشر على فيس بوك وتويتر، وكل المواقع الاجتماعية التي تريد الامبريالية استعمالها لإعطاء طابع محدد لهذه الثورات، فهي تريدها ثورات لا تذهب إلى العمق، لا تعيد صياغة الواقع بما يخدم مصالح الشعوب، بل تريدها رجات فوقية تستبدل من خلالها بعض الأوراق المتهرئة مع إبقاء التحالفات الطبقية السائدة في تلك البلدان والمتحالفة معها في سدة الحكم، ولذلك فإنهم يسمون هذه الثورات بتسميات من نوع «الياسمين» تلك التسمية السياحية بالدرجة الأولى، فالأوروبيون لا يعرفون من تونس إلا الياسمين، لأنهم لا يعرفون عناء الشعب حقيقة، هذه ثورة كلفت /100/ شهيد، وأكثر من /500/ جريح.. كلفتنا آلاماً شديدة، والأمر نفسه، بالنسبة للرفاق والإخوة المصريين، فإطلاق هذه التسميات هو إيحاء بأن المعركة كانت معركة لطيفة ويجب أن تبقى في مستوى المسح على المشهد الخارجي، ولا يجب أن تمضي الثورة لهز جذور الاستبداد والفساد والعمالة، بل أن تبقى مكتفية بالقشرة الفوقية التي يستبدل فيها عميل بعميل وفاسد بفاسد ومرتشٍ بمرتشٍ، لهذا السبب نحن نرفض هذه التسميات ونعتبرها تسميات مندرجة تحت المغالطات الإمبريالية المتداولة.
• كيف تقرؤون دور الإعلام في ما يحدث؟
من طبيعة الأنظمة الفاسدة والمستبدة أن تلجأ إلى التعتيم الإعلامي، ففي الوقت الذي كان البوعزيزي يحرق نفسه، وفي الوقت الذي كان فيه شباب سيدي بو زيد يخرجون في مظاهرات ويواجهون القمع والرصاص الحي، كانت التلفزة التونسية تهتم بأخبار كرة القدم، والرئيس التونسي يستقبل سباحاً تونسياً «حاصل على ميدالية»، الناس في أمس الحاجة إلى معرفة الحقائق التي تحصل في البلد، لذا يتجهون إلى وسائل إعلام أخرى، وهي وسائل إعلامية ليست عديدة، وهي مرتبطة بأجندات معروفة الآن مثل الجزيرة وBBC.. ويستقون إعلامهم منها فيختلط الغث بالسمين..
الحقيقة أن الإعلام السائد في بلداننا والذي تستعمله أنظمتنا، هو إعلام خشبي تجاوزه الزمن إعلام غريب عن الواقع، وغير موثوق... هذا هو الإعلام الرسمي. في المقابل الناس يبحثون عن إعلام آخر، يجدونه في وسائل إعلام أخرى تخلط الحقيقة بالباطل، وتوظف نقل الخبر الحقيقي لأهدافها السياسية، ولكن هناك شيء آخر مهم برز في هذه الأحداث وهو الإعلام المباشر، والذي أداره الشباب بشكل أساسي من خلال الاستفادة من الثورة التكنولوجية.
• هناك من يصف ما يحدث بأنه مؤامرة. هل المؤامرة حاضرة؟، وإن كانت كذلك فأين هي؟
فعلاً هناك من يحاول تصوير كل ما يحدث عندنا بأنه مؤامرة، وفي المقابل الذين يعترضون على هذا المنطق يرفضون فكرة المؤامرة رفضاً مطلقاً، أنا لا أقول بأن كل شيء يتم وفق المؤامرة، ولا أقول بأن المؤامرة غائبة، دعنا نتحدث بكل وضوح.. أنا رجل أتبنّى مقولات التحليل المادي الديالكتيكي، أنا أعتبر أن المؤامرة حاضرة في كوننا مستهدفين كشعوب وأمم مضطهدة، مستهدفين بحقيقة واضحة بأن هناك قوى امبريالية تريد أن تهيمن علينا، وهذا أمر نعيشه صباح مساء وهو أمر واقع، وهذا الواقع لا يجعلني أرى في كل الأحداث غياب العنصر الذاتي، ولا يجعلني أرد كل شيء إلى العامل الخارجي الذي يفرض علي، لهذا أعتبر أن الثورات التي حصلت لم تكن بتحريك خارجي، بل ربما كانت في معنى من المعاني ضد هذا التحريك الخارجي، فالتحريك الخارجي كما قلت لك، يريد أن يغير القشرة فقط. فالثورات تحدث ثم يحاولون توجيهها وتأطيرها وفرض بدائلهم من داخلها، ولكن الشعوب ترفض، وأنا أقول لك إن أضخم مظاهرة حصلت بعد سلسلة من الاحتجاجات المحدودة في بعض المناطق كانت في المدينة الثانية في تونس وهي مدينة (صفاقس)، هذه المدينة خرجت فيها لأول مرة منذ عقود مظاهرة تضم نحو /50000/ ألف شخص، وهذه التي أحدثت منعطفاً حاسماً في الأحداث، هذه المظاهرة كان فيها لافتة واحدة، مكتوب فيها «لا للتدخل الأمريكي في شؤوننا»، وكانت تطالب برأس السلطة، تطالب بإسقاط زين العابدين بن علي ونظامه. هناك عوامل موضوعية من بينها العامل الخارجي يتحكم في العملية، ولكن العامل الحاسم هو العامل الداخلي، ودور العنصر الذاتي في الأحداث.
• ما آفاق الثورة في تونس؟
هناك رغبة لدى الشعب اليوم بألا تتوقف العملية الثورية عند ما وصلت إليه، بألا تتوقف عند حدود إسقاط رأس النظام وجزء من زبانيته الذين لا يمثلون كل وجوه التحالف الطبقي السائد في تونس وإنما جزءاً منه، هناك رغبة شعبية في المضي قدماً في تفكيك مكونات ودعائم النظام الاستبدادي الفاسد في تونس، وبناء سلطة أخرى نحن نسميها الجمهورية الديمقراطية ذات البعد الاجتماعي، والتي فيها إنجاز لمهام ديمقراطية ووطنية دنيا تمهد الطريق لآفاق جديدة. يعني يجب أن نحقق تراكمات على هذا الطريق لكي تنتقل إلى أفق جديد، هناك مقاومة من الثورة المضادة ومن فلول النظام البائد، وهذه المقاومة التي تنظم صفوف الثورة المضادة تدعم بالتدخل الأمريكي والأوروبي، شعبنا يرفض ذلك ويرفع شعارات ملموسة من نوع: مجلس حماية الثورة، العمل على الانتقال إلى حكومة جديدة، وتكون مهمتها أمرين: تصريف أعمال، ومباشرة إنجاز انتخابات تشريعية لمجلس تأسيسي يسن القواعد النهائية لهذا النظام السياسي الجديد الذي فيه مطلق الحرية للشعب، والذي فيه تكريس لمعاني الجمهورية الديمقراطية ذات البعد الاجتماعي.. هذا هو الأفق، طبعاً مايزال الشعب يناضل للوصول إليه،
• ماذا عن القواعد العسكرية الأمريكية في تونس؟
في تونس هناك تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى التعاون من أجل محاربة الإرهاب، وهنالك قواعد عسكرية أيضاً، وهذا نوع من الاستباحة للسيادة الوطنية، ولا أعتقد أن سلطة ثورية في تونس، بالمفاهيم التي كنت أتحدث عنها، ستقبل بذلك. ولكني لا أشك لحظة واحدة في أن استبدال سلطة بن علي بسلطة أخرى لها المضمون الطبقي والاجتماعي نفسه، لن يغير الموقف من التدخلات الإمبريالية بأشكالها المختلفة، وسيقبل بالتعامل القديم، إذاً هو صراع بين القديم والجديد، ونحن نصطف ونتخندق في معسكر الدفاع عن الجديد..