السلاح الأمريكي الأخطر في العراق
لم تشكل البيئة العراقية من الناحيتين السياسية والدينية حاضناً للطائفية المقيتة المعتمدة على الإرهاب، ولا هي بيئة جاذبة للمتشددين على نحو ما هو موجود حالياً، فقد عبر القائد الثوري الشهيد سلام عادل في كلمة له عام 1956 عن الثقة المطلقة بانتصار الشعب العراقي قائلاً: «لقد عُرِفَ عراقنا منذ القدم بأنه أرض العزة والكرامة ووطن الأفذاذ من رجال الحرية ورواد الفكر، عُرِفَ بأنه الشعب الذي استعصى على طغيان الحكام، وبطش الولاة، وبربرية الغزاة، فمنذ قرون وثورات الجماهير وانتفاضات عبيد الأرض تشتعل على أرض العراق.. في سهول الجنوب وعلى ذرى كردستان. لقد هُزِمَ الباطل في العراق مرة بعد أخرى، وأخفقت على مر الأزمان، كل السياسات التي أُريدَ بها لهذا الشعب أن يستكين ويخضع، ويحني هامته تحت وقع سياط الغزاة والمعتدين».
لمحة عن ديموغرافية العراق
يبلغ عدد السكان في العراق ما يقارب 29 مليوناً، 59% منهم تتراوح أعمارهم بين 16- 64 عاماً وحوالي 38% تحت عمر 15 سنة و3% ممن تجاوزوا 64 عاماً، ويسكن معظمهم في وسط البلاد. أكبر مدن العراق هي بغداد «4 إلى 6 ملايين» ثم الموصل ثم البصرة ثم أربيل. أما من ناحية عدد سكان المحافظات فمحافظة بغداد تضم أكبر عدد من السكان تليها محافظة نينوى ثم محافظة السليمانية ثم محافظة أربيل ثم محافظة البصرة، ويشكل العرب غالبية سكان العراق، وتبلغ نسبتهم حوالي الـ 75% - 80% من السكان. وينقسم العرب الذين هم في الغالبية مسلمون إلى شيعة، وهم غالبية سكان محافظات جنوب بغداد، وإلى سنـّة، وهم غالبية سكان محافظات شمال وغرب بغداد في حين أن بغداد هي المدينة التي تختلط بها إثنيات وطوائف العراق جميعاً.
ويشكل الكورد حوالي 12% إلى 18% من نسبة السكان. يتمركزون في المناطق الشمالية الشرقية حيث يشكلون الغالبية العظمى للسكان في محافظات السليمانية وأربيل ودهوك مع تواجد للمسيحيين والتركمان وللعرب في بعض المناطق في هذه المحافظات الثلاث. كما يجدر بالذكر إلى أن الكورد يتواجدون بأقلية أيضاً في محافظات نينوى ومحافظة ديالى وبغداد، ويتميزون بلباس معين ولهم ثقافتهم ولغتهم الكوردية المميزة، ويدين غالبيتهم بالمذهب السني في حين يسمى الكورد الشيعة بالكورد الفيليّة ويتواجدون في بغداد وديالى وشمال واسط.
كما يعيش التركمان في المنطقة التي تفصل بين العرب والأكراد وبخاصة في محافظات كركوك وديالى ونينوى، حيث يشكل التركمان اقلية عرقية.
أما المسيحيون فيتوزعون على عدة كنائس وطوائف وأعراق وتعتبر منطقة سهل نينوى شمال العراق منطقة تمركز الوجود المسيحي في العراق حيث تتواجد قراهم الرئيسية، في حين أن التمركز العددي الأكبر لمسيحيي العراق هو في بغداد. كما يتواجد المسيحيون في مدن الجنوب كذلك فأكبر تواجد مسيحي جنوب العراق هو في البصرة في حين أنه توجد أقلية مسيحية بشكل أصغر في مدن العمارة والحلة، ويعيش أكثر الآشوريين قرب الموصل وقد جاءت أعداد كبيرة من المسيحيين الأشوريين إلى العراق من منطقة هكاري وما جاورها في تركيا بعد مجازر «سيفو» خلال الحرب العالمية الأولى.
كما يوجد في العراق الأرمن من حملة الجنسية العراقية ومن أرمن المهجر الذين ينحدرون من أصول أرمنية عراقية. ووجودهم ليس بجديد في العراق بل من عام 1222 م، في البصرة، لكنه ازداد في بداية القرن العشرين بعد مجازر الأرمن في أرمينيا. ويبلغ عددهم عشرين ألفاً يعيش 12 ألفاً منهم في بغداد، ويتحدث معظم أرمن العراق اللهجة الأرمنية الغربية.
التفريق بين الطائفة
والطائفية السياسية
عند التحدث عن الطائفية في العراق يتعين التفريق بين ما يسمى الطائفية الاجتماعية والطائفية السياسية. ورغم كثرة الحديث عن الفتنة الطائفية هذه الأيام فإن مظاهرها لم تتبلور حتى الآن، رغم كثرة الحديث عنها واحتمال اشتعال حرب أهلية بين مكونات الشعب العراقي فإذا ما تمكنت القوى الفاسدة وتوغلت بفتنتها السياسية داخل البنية الاجتماعية حينئذ يمكن أن تتحدث عن توفر الامكانيات الضرورية لأن تتحول الحرب الأهلية في العراق إلى واقع ملموس وهو أخطر ما في الأمر ولكن هناك عاملين أساسيين كما يقول أحد المحللين يقفان سداً منيعاً حائلاً دون انجرار العراقيين إلى مثل هذه الفتنة هما العاملان الاجتماعي والجغرافي، بما يشكلانه من قوة يتميز بها المجتمع العراقي في تركيبته العفوية التي جبل عليها، والتي لم تحصل نتيجة لتخطيط مسبق يرتبط بنوايا ومصالح لهذه الطائفة أو تلك، وهذا العرق وتلك الديانة.
فجغرافياً، يشمل التوزع الطائفي في العراق «سنة وشيعة» جميع أنحاء العراق، وهو متداخل لدرجة أن المرء لا يستطيع أن يقول عن هذه المنطقة سنية صرفة أو شيعية صرفة. أما بغداد العاصمة فإنها الأنموذج الأمثل لتعايش جميع الأطياف والأعراق والأديان فيه، أما الحديث عن أن العراق مقسم إلى ثلاث رقع جغرافية، (للسنة والشيعة والكورد)، فهذا ما حاولت ترسيخه وسائل الاعلام الأميركية والغربية، أضف إلى ذلك أن العشائر العراقية يتوزع أبناؤها على الطائفتين كما أن مسألة التزاوج بين أبناء الطائفتين أمر بارز وواسع الانتشار في العراق، وهذا التمازج يحمل الكثير من عناصر القوة التي تقف بوجه محاولات إثارة الفتنة الطائفية الاجتماعية في العراق.
أما الطائفية السياسية فقد بدأت بالظهور بعد فترة من إتمام عملية احتلال الأمريكان للعراق، فخلال هذه الفترة لم تظهر أية بادرة تدل على حصول أية حوادث ذات طابع طائفي، وحتى بعد احتلال بغداد، رغم الانعدام التام لوجود قوات الأمن، وعندما جرت أول زيارة إلى النجف لمناسبة أربعينية استشهاد الإمام الحسين، بعد أسبوعين من الاحتلال، لم يسجل أي حادث عنف أو اعتداء على زوار العتبات المقدسة.
إلا أن تشكيل مجلس الحكم على أساس عرقي وطائفي أجج الاحتقان والعنف الطائفي اللذان تصاعدا مع المراحل التي مرت بها العملية السياسية، وبها تم وضع حجر الأساس لظهور وتفاقم الطائفية السياسية في العراق.
الدور المشبوه !!
لم يعرف العراق خلال تاريخه الطويل قديماً أو حديثاً النزاعات الطائفية والعرقية كما بيـّنا سابقاً، حتى في ظل حكم صدام حسين الذي دام لأكثر من ثلاثة عقود، فقد طال بطشه وجرائمه كل مكونات الشعب العراقي وطوائفه وقواه الوطنية والتقدمية، إلى أن جاء الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق وعاث فساداً فيه ابتداءاً من حل مؤسسات الدولة العراقية بعد ما تم نهب مكاتبها إلى حل الجيش العراقي إلى العبث بمكونات الشعب العراقي والقتل على الهوية والتفجير عن بعد للسيارات المفخخة تمهيداً لشرذمته وتفتيته الى دول وكيانات مصطنعة متقاتلة على أساس طائفي لديمومة احتلاله.
جاء في مقدمة البرنامج السياسي للتيار اليساري الوطني العراقي ما يلي: « يعيش شعبنا ووطننا، مأزقاً تاريخياً ومحنة خطيرة وشاملة، متعددة الأوجـه والمستويات، استهدفت وتستهدف وجودهما ومستقبلهما، كنتيجـة مباشرة للغزو والاحتلال العسكري الأميركي، وما نجم عنـه من تبعات العملية السـياسية التي أقيمت على أسـاس المحاصصة الطائفية والعرقية، بعد حقبة طويلة وقاسية تحت حكم دكتاتوري فاشي تميز بالقمع والاسـتبداد والحروب بالنيابة عن الإمبريالية والصهيونية وما تبعها من حصار مدمر فرض على الشعب العراقي».
لقد مارس الاحتلال الأمريكي مجموعة من السياسات والمخططات المشبوهة فالقتل على الهوية يطال الجميع، وبطريقة ممنهجة ومبرمجة، لا تقدر على تنظيم مراحلها وتنفيذها إلا الدول أو عصابات الإجرام، من تلك التي تتقاضى أجراً هائلاً مقابل قتل أعداد من هذه الطائفة، ومثل ذلك من الطائفة الاخرى كما قام الاحتلال عبر شركاته الامنية «بلاك ووتر وغيرها» بعمليات قتل جماعي وتفجيرات استهدفت تجمعات سكنية أو مدنية مثل الأسواق والأحياء السكنية المدنية في مناطق ذات غالبية سنية أو شيعية بهدف الانتقام أو التصفية الطائفية بناءاً على خلفيات مذهبية متشددة، وقامت الـ «سي آي إي» بتأجيج هذه الأحداث الطائفية العنيفة لتبرر بقاء قواتها في العراق.
ثم جاءت قوى الفساد التي تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم لتكمل تمهيد السبل أمام الطائفية فتحافظ على امتيازاتها ومكاسبها الشخصية وتتابع نهب أموال الشعب العراقي الذي لا يمكن أن تستمر في نهبه إذا استقر العراق، حتى دفع هذا الوضع بصحيفة الاندبندنت البريطانية لأن تقول في واحدة من افتتاحياتها تحت عنوان «إشارات مقلقة عن صراع مستقبلي في العراق»: «بأن الترتيب الذي تركته أمريكا بين الشيعة والسنة والكورد مهدد بالانهيار»، فالحياة السياسية في العراق أصبحت ملوثة والكل يخون الكل، الشيعة ضد السنة والسنة ضد الشيعة، وإلى أين تمضي الامور في ظل الصراع الدائر الآن في الحكومة العراقية بين المالكي رئيس الوزراء «شيعي»، وبين الهاشمي نائب رئيس الجمهورية «سني»، لا أحد يعرف! فقد دخل العراق في مستنقع عميق لن يخرج منه إلا إذا توحدت قواه الوطنية كلها من أجل بناء عراق جديد كما جاء في برنامج التيار اليساري الوطني العراقي «من أجل بناء الجمهورية العراقية الحرة الديمقراطية- جمهورية العدالة الاجتماعية، الهدف الذي كافح من أجله بنات وأبناء العراق الأبرار جيلاً تلو جيل، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة حتى يومنا هذا، في مسيرة معمدة بدماء الشهداء الزكية من أجل وطن حر وشعب سعيد».