منسق التيار اليساري الوطني العراقي لـ«قاسيون» : «الخيار الثالث» مشروع لتعبئة القوى الوطنية واليسارية والتقدمية العراقية في إطار تحالف تحرري شامل
رفيق صباح كيف ترون الوضع العراقي الاجتماعي والاقتصادي من جهة والمشهد السياسي الداخلي بعد عشرة سنوات من سقوط بغداد واحتلال العراق؟
سقط العراق تحت الاحتلال في 9 نيسان 2003 بعد أربعة عقود من الفاشية. اليوم وبعد عقد من نظام المحاصصة الطائفية الإثنية الفاسد الذي أسسه «بريمر»* وإفرازاته التدميرية على الشعب والوطن، كالإرهاب والفساد والنهب والتخلف وانعدام الخدمات الأساسية والبطالة والتدمير الشامل للبينة التحتية والزراعة والصناعة، ناهيك عن تلوث البيئة والأمراض وملايين المشردين والشهداء والجرحى والمعوّقين والأرامل والأيتام والعاطلين عن العمل، يعيش العراق في ظل حكم لدستور فيه أكثر من 50 مادة لم يُبت فيها حتى اللحظة ويحتاج كل منها إلى قانون، حيث لم يُبت إلا بعدد قليل من المواد، أي حوالي 4- 5 مواد والباقي مؤجلة كونه مُختلفّ عليها. هذا جزء من الواقع القانوني لنظام المحاصصة الإثنية الذي نتج عنه بالمحصلة حرب طائفية بين 2005 و2007 كادت أن تمزق النسيج الوطني للمجتمع العراقي لولا الوطنية العراقية وقدرة الشعب العراقي وتاريخه في التصدي لهذا الأمر.
في اللحظة الراهنة تعيش الكتل السياسية التي اشتركت في تأسيس هذا النظام أشد أزماتها وتمزقها، فهي في صراع مرير على السلطة وعلى إعادة تقاسم النفوذ وإعادة تقاسم نهب الثروة الوطنية العراقية، وكل ذلك يترافق مع غياب حقيقي للمؤسسة الوطنية العراقية ممثلة بالجيش الوطني، حيث لايوجد تجنيد إلزامي في العراق.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الأمريكيين عندما احتلوا العراق كانت تقديراتهم أن يكون ذلك نزهة وسوف يكونون مسيطرين على النفط والإنطلاق من العراق إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وتفتيت الدول العربية إلى إقطاعيات طائفية إثنية، لكن تصدي الشعب العراقي لهذا الاحتلال سواء بالمقاومة المسلحة أو السلمية، كبدت الأميركيين خسائر كبرى، حيث تتحدث إحصائياتهم الرسمية أن الحرب الأمريكية على العراق كلفت 1700 مليار دولار إضافة إلى 470 مليار دولار تكاليف ضمانات تقاعد الجنود، فالأمريكيون عملوا إلى الهروب إلى الأمام للخروج من هذا المستنقع لكن هذا الهروب هو في إطار الحفاظ على السيطرة والهيمنة على العراق من خلال عقد «اتفاق المصالح الاستراتيجي» وإبقاء العراق تحت البند السابع، ومن ثم بقاء الصندوق المالي العراقي بيد الأمريكيين، بحيث كل مايباع من نفط ويُصدَّر يذهب مباشرة إلى صندوق خاضع للتصرف الأمريكي، وتوج ذلك بتوقيع عقود نفطية لمصلحة الشركات الأمريكية والاحتكارية الإمبريالية، حيث أن عقود كردستان تصل فيها أرباح الشركات الأجنبية إلى 50% من الأرباح وعقود بغداد تصل إلى 24%.
انتخابات المحافظات العراقية اليوم على الأبواب، مارأيكم بها وماذا حضرتم لها؟
منذ البدء كنا نحن كيسار عراقي ضد المشاركة في الانتخابات دون قانون الأحزاب، فلا يمكن أن تكون هناك انتخابات نزيهة وحرة دون وجوده. واليوم نجد أن الأحزاب الموجودة تملك أموالاً طائلة، وهي أموال غير معروفة المصدر سواء نهب أو فساد، وهي بمعظمها منهوبة أصلاً، وهذه الأحزاب تملك وسائل إعلام ضخمة كالفضائيات والصحف وتملك مقرات من خلال استيلائها على مؤسسات ومراكز حكومية سابقة. يضاف إلى كل ذلك قانون انتخابي فيه الكثير من المشاكل، ولهذا نحن ميزنا في بياناتنا وأدبياتنا بين عدم المشاركة كيسار في الانتخابات، وبين حق الشعب العراقي في الإدلاء بصوته في الانتخابات، ودعونا في كل الانتخابات- التي تمت في 2005 أو 2010 وحتى الراهنة منها- دعونا الشعب للتصويت للقوائم الوطنية الديمقراطية.
وحالياً في انتخابات 20 نيسان للمحافظات، نحن ندعم مباشرة بعض القوائم التي نعتقد أنها تقدم برنامجاً مقارباً لبرنامجنا وفيها من الشخصيات والقوى الوطنية التقدمية ذات الماضي اليساري، وعلى رأسها قوائم «التيار الديمقراطي العراقي» وقائمة «إرادة الأهالي» بشكل خاص. وهذا يعني أن موقفنا من الانتخابات يأتي ضمن عملية مركبة. فنحن نحترم الكفاح السياسي والجماهيري بكل أشكاله، ومنها خوض الانتخابات أو اتخاذ موقف من بعض القوى المشاركة في هذه الانتخابات، لكن هذا لايعني أن هذا الموقف ينسحب على موقفنا من العملية السياسية باتفاقياتها وتركيباتها القائمة من 2003 إلى الآن والتي نحن ضدها جملة وتفصيلاً.
هناك نشاط سياسي متقدم على مستوى تيار اليسار الوطني العراقي (لجنة العمل اليساري منذ فترة– تفاهم مشترك جديد مع التيار الديمقراطي) حدثنا عنه أكثر؟
منذ احتلال العراق وسقوط النظام الفاشي كان هناك خياران سائدان في الشارع، الخيار الأول هو خيار نظام المحاصصة الطائفي الإثني، والخيار الثاني هو خيار الإرهاب وفلول النظام السابق والقوى التي تحاول أن تعيد إعادة إنتاجه. من جهتنا حاولنا منذ البدء أن نشق طريقاً آخر أمام المجتمع والشعب وهو ما أطلقنا عليه الخيار الثالث، وهذا كان يعني أولاً أنه علينا كقوى يسارية إيجاد شكل من أشكال العمل المشترك، ومن ثم توسيع الدائرة باتجاه تحالف وطني تحرري يشمل قوى وطنية تقدمية ديمقراطية لإقامة دولة مدنية ديمقراطية بمضمون العدالة الاجتماعية. كان هذا الخيار في البدء صعب التقبل والبروز، ولكن مع مرور السنوات واحتدام الصراع الطبقي واحتدام الأزمة الوطنية وانقسام المجتمع إلى أقلية حاكمة فاسدة ناهبة تفرض على الشعب حالة من الجوع والظلم والبطالة، إضافة إلى عدم وجود صناعة وطنية وتحول اقتصاد البلاد إلى اقتصاد ريعي قائم بشكل أساسي على النفط واعتماده على الاستيراد، ساهم كل ذلك بشكل واضح بتبلور هذا الخيار عبر جهد جماعي صبور ودؤوب وواع من كل القوى اليسارية، التي تخلصت من أمراض المدرسة التقليدية، وبدأت تتعلم بوضوح إمكانية الاختلاف في إطار المدرسة الواحدة في مواجهة العدو المشترك.
توجت هذه الجهود التي كُثفت في السنتين الأخيرتين بتشكيل لجنة العمل اليساري المشترك التي ضمت كل القوى اليسارية الحقيقية الفاعلة الموجودة على الأرض. وبانطلاقها جرى شكل من أشكال التطوير للعلاقات القائمة مع بعض القوى الوطنية والتقدمية، التي وجدت في تشكيل اللجنة حافزاً للاتصال بنا، وتوصلنا إلى تفاهم مشترك مع التيار الديمقراطي وشكلنا لجنة متابعة، وأيضاً أجرينا مباحثات معمقة ومفصلة مع القوى المشكلة لقائمة «إرادة الأهالي» وهي قوى مهمة، منوعة وموزعة على مختلف الأراضي العراقية، وبهذا المعنى انتقلنا من العمل اليساري إلى الدائرة الوطنية العراقية بالمعنى الأوسع.
إن مشروع الخيار الثالث يعني تعبئة جميع القوى الوطنية واليسارية والتقدمية في إطار تحالف وطني تحرري يعمل على: إنهاء نظام المحاصصة الطائفية الإثني الفاسد، والتحرر من بقايا وآثار الاحتلال البغيض وملاحقة القادة العسكريين والساسة الأمريكيين على جرائمهم بحق الشعب العراقي، والعمل على تحرير الاقتصاد العراقي من الهيمنة الأمريكية بمفرداتها وتبعاتها، ومن ثم الانتقال عملياً إلى تشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية لمدة عامين يكون أعضاؤها شخصيات مستقلة منتخبة من المنظمات المهنية والنقابات والجمعيات الثقافية على أن تقوم بمهمتين لا ثالث لهما: توفير الأمن والخدمات، والتحضير لانتخابات وإعداد دستور جديد.
كيف ترون الأوضاع الإقليمية من موقعكم خاصة بعد محاولات زج العراق بقوة في الوضع الداخلي السوري (زيارة كيري الأخيرة وطلبه بتفتيش الطائرات الإيرانية، الاشتباكات بين جنود عراقيين وعناصر من المعارضة المسلحة على الحدود العراقية، محاولات تركية لعقد صفقات نفطية مع إقليم كردستان)؟
للأزمة السورية، أو الحراك الثوري السوري، تداعيات كبيرة على الوضع العراقي وخصوصاً على المنطقة الغربية من العراق، وكانت هناك محاولات لتحقيق شكل من أشكال التناغم الأسود والشرير بين القوى الإرهابية الفاشية التي تقاتل في سورية لأجل مشروع أمريكي صهيوني بدعم وتمويل قطري وتركي وبين قوى عراقية تعتقد أن تلك القوى حليفة لها في هذه المناطق، فشلت هذه المحاولة لأن الحراك الشعبي في هذه المناطق كان لديه مطالب مشروعة وجرت الاستجابة لكثير منها فبدأ الفرز يتوضح أكثر.
إن عملية قتل جنود عراقيين وسوريين على الحدود كانت جريمة آثمة لكنها وحدت الدم السوري والعراقي في وجه هذا المشروع، أما الضغوط المركزة على النظام في العراق لأجل اتخاذ بعض الإجراءات هي ضغوط مباشرة وغير مباشرة، ولكن حسب تقديرنا بالمحصلة النهائية أن الموقف العراقي ظل موقفاً مستقلاً ومتضامناً مع الشعب السوري ومع الانتقال السلمي للسلطة عبر تغيير سلمي ديمقراطي في البلد ورافضاً للتدخل الأجنبي، ولكل أشكال العنف من كل الأطراف. وللحقيقة فإنه رغم كوننا في موقع المعارضة للنظام العراقي ينبغي أن نقول الحق، فالنظام الرسمي العراقي حافظ على هذه القاعدة، سواء في المحافل الدولية أو في الجامعة العربية أو على الصعيد الوطني العراقي، أيضاً هناك صراع داخلي بين الإقليم والمركز وله علاقة بالنفط والثروات وله علاقة بالمناطق التي صُنعت لها تسمية «المناطق المتنازع عليها» وأيضاً دخل فيها العامل السوري، والصراع بين البارزاني والطالباني من جهة وبين البارزاني والمركز من جهة أخرى، والعقود النفطية المنافية للدستور التي عقدها إقليم كردستان وفق وجهة نظر الحكومة المركزية، كل هذا لعب دوراً في تداعيات الأزمة السورية على الصراع الداخلي. لكن في المحصلة فإن الموقف العام هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية واحترام حق الشعب السوري في اختيار طريقه دون أي تدخل خارجي في اختيار طبيعة النظام الذي يراه مناسباً.
*بول بريمر : الرئيس الأمريكي لما يسمى بالإدارة المدنية للعراق في السنين الأولى من الاحتلال.