حنا غريب لقاسيون 2/2: «هيئة التنسيق النقابية» تجمع أغلبية اللبنانيين على لقمة عيشها وكرامتها الوطنية

حنا غريب لقاسيون 2/2: «هيئة التنسيق النقابية» تجمع أغلبية اللبنانيين على لقمة عيشها وكرامتها الوطنية

نشرت صحيفة قاسيون في عددها الفائت الجزء الأول من لقائها الذي أجرته مع الرفيق «حنا غريب»  عضو «هيئة التنسيق النقابية» في لبنان وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي اللبناني، وتنشر قاسيون في هذا العدد الجزء الثاني من اللقاء الذي أجراه وأعدّه فيصل يعسوب

كيف استطعتم حشد القوى النقابية والشعبية بعد كل الضربات التي تلقاها النضال النقابي والمطلبي؟

لعل أهم اختراق نقابي ساعدنا على تغيير الموازين وإيجاد دفعٍ معنويٍّ وعمليٍّ للناس عموماً، كان الاختراق في القطاع الإداري العام، أي موظفو الدوائر والوزارات، ففي هذا القطاع كانت هناك رابطة واحدة تضم موظفي المراكز الإدارية العليا، ولم يكن مسموحاً للموظفين العاديين الانتساب لتلك الرابطة، وكانت هذه الرابطة جزءاً من هيئة التنسيق النقابية، أي كان للرابطة صوت في الهيئة لكن فعاليتها كانت مفقودة بسبب تغييب القوى الهائلة الممثلة في الأعداد الكبيرة من الموظفين في الرتب الدنيا، فاتفقنا مع زملائنا في الرابطة والذين هم من المراكز الإدارية العليا في الدوائر والوزارات على إعلان فتح الانتساب لمختلف الموظفين، ورغم رفض مجلس الخدمة المدنية والذي هو أعلى هيئة إدارية في الدولة انتساب الفئة الدنيا في الجهاز الإداري لرابطة القطاع الإداري العام، فقد تم فتح الانتساب لرابطة موظفي القطاع الإداري العام بمختلف رتبهم. وعند دخول تلك الفئات -الفئتين الرابعة والخامسة في التنظيم الإداري- تعادلت موازين المعركة بسبب قوة القطاع الإداري الكمّية، أمّا نوعياً فكان علينا إدخال أولئك الموظفين تدريجياً في الإضرابات والاعتصامات لأنهم غيرُ معتادين وخائفين.

شرعنا بالاعتصام لعدة ساعات أمام الوزارات بدايةً، وقد صوّر الإعلام الاعتصامات لساعة وساعتين  لموظفي 30 وزارة، وكان هذا تغيراً نوعياً على المستوى الشعبي العام، وبعدها قمنا بوقفات متعددة واعتصامات خارج المديريات حتى وصلنا تدريجياً إلى اعتصام السرايا والبلديات في مختلف المناطق، وانضم المتقاعدون والمتعاقدون للتحرك أيضاً كونهم متضررين من الوضع القائم، أي استنفر القطاع العام بالمجمل للدفاع عن نفسه ومكتسباته. هنا أصبح علينا ضغط جديد تمثل في أن اعتصامات اليوم واليومين لم تكن تحمل الأثر المطلوب، فرأينا أن الإضراب المفتوح هو الحل.

من ناحية أخرى استطعنا تهئية روابط منتخبة في بداية العام، هذه الروابط كانت توافقية بين التقسيمات السياسية والطائفية وعنوان توافقها كان سلسلة الرتب والرواتب، وكان هذا حلاً لتوحيد القوى كافة تحضيراً للإضراب المفتوح، وكان هذا عاملاً مهماً جداً في نجاح الإضراب. عند التصويت في الجمعيات العمومية لهيئة التنسيق النقابية كانت النتيجة عموماً فوق الــ90% مع الإضراب. وضعنا خطة للإضراب تقتضي وجود اعتصامات يومية ونشاطات ولقاءات مع التلاميذ والأهالي لتوضيح أن هناك من يحاول الضحك عليهم وإيهامهم بأننا نحن من نريد ضرب مستقبل أبنائهم، وكان هذا ضرورياً لتوضيح جوهرالمعركة لكسب الرأي العام، وتعرية الهيئات الاقتصادية وغيرها ممن شنّ الهجوم على السلسلة بكل وقاحة.

جاء الإضراب العام، وشارك فيه الطلاب وأهاليهم وعناصر الجيش والشرطة كانت مع الإضراب أيضاً، طبعاً لم يستطيعوا المشاركة المباشرة لكن تم الاتفاق معهم على إرسال عائلاتهم وذويهم للمشاركة انطلاقاً من أن ثلثي السلسلة للجيش والشرطة، ودفعنا المتقاعدين في مختلف القرى والمحافظات للمشاركة عبر اعتصامات ولقاءات في مناطقهم. وبدأنا ملاحقة ملفات النهب، من المرفأ إلى المطار إلى الأملاك البحرية وتم الاعتصام أمامها كلها، وشارَكَنا العاملون في المرفأ والمطار، فكان الـ 33 يوم من الإضراب المفتوح والاعتصام والذي نتج عنه في نهاية المطاف إحالة السلسلة من مجلس الوزراء إلى مجلس النوّاب.

هل الحركة النقابية قادرة على نقل الهم المعيشي إلى مستوى المطالب السياسية والوطنية العامة؟

في السابق كان توّتر الوضع الأمني يؤدي إلى تراجع الهم المطلبي والمعيشي، كذلك الأمر في حالة التوتر أو التصعيد السياسي، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفاً، كنّا ننزل إلى الشارع    و« أحمد الأسير» يقوم بمهرجاناته الطائفية والخطف موجود والوضع الأمني عموماً متوتر والسلاح في شوارع طرابلس وعلى الحدود، ومع ذلك كانت الاعتصامات تستمر وتكبر، فالفتنة كانت تمتد أصابعها في البلد، وهيئة التنسيق تجمع الناس في الشارع على لقمة عيشها وكرامتها، لذلك كان هذا التحرك بالجوهر هو تحرك سياسي وطني لأنه يقف في وجه الفتنة التي لطالما قسّمت اللبنانيين ضد مصالحهم. من هنا نجد أن كل من وقف مع السلسلة وهيئة التنسيق التي جمعت اللبنانيين خارج التقسيمة الطائفية هو في الجوهر اتخذ الموقف الوطني الرافض للفتنة والتقسيم، وكل من وقف في وجهها وعاداها كان يأخذ الموقف اللاوطني. هذه المفارقة كانت واضحة للناس، وكل من جمهور 14 آذار و8 آذار كانوا يقولون إن المظاهرة مع هيئة التنسيق هي أفضل من مظاهرات الاصطفافات السياسية لأننا هنا مجموعون كلنا كلبنانيين.

بعد الإنجاز الذي حققتموه، أين يتوجه النضال اليوم في ظل استقالة الحكومة واستمرار التوتير الأمني، وبعد إحالة السلسلة إلى مجلس النواب؟

الإنجاز الذي ححقناه هو إنجاز كبير «معنوياً»، لكن على الصعيد المادي والعملي فالمعارك قادمة. بداية السلسلة التي تم إحالتها إلى مجلس النوّاب هي ليست ما اتفقنا عليه، أحالوا سلسلة على التقسيط مجزأة، ولم يقبلوا بالمطارح الضريبية التي اقترحناها، أي ستموّل السلسلة من الفقراء والموظفين ذاتهم، غير ملتزمين بالمواعيد، ناهيك عن تجاوز حقوق مكتسبة كالعمل بعد الظهر دون التعويض وإلغاء تعويضات الامتحانات، لنجد أنهم بالواقع أخذوا منّا ولم يعطونا في السلسلة التي حوّلوها إلى مجلس النواب، ولم ينفذوا إلى الآن إحالة السلسلة، لذا في المرحلة القادمة يمكن تلخيص أربعة عناوين أساسية  لاستكمال المعركة:

 أولاً- مواجهة الألغام التي زرعوها في السلسلة والتي تهدف لضرب مفهوم الوظيفة العامة ودولة الرعاية الاجتماعية.

 ثانياً- فيما يتعلق بالضرائب فنحن طالبنا بتمويلها من الريوع المصرفية والعقارية والضريبة على الأملاك البحرية في حين اعتمدوا هم ضرائب تطال الفقير والغني وكأنهما متساويان في ثرواتهما ولم يقتربوا من حيتان المال.

ثالثاً- موضوع الحقوق المكتسبة من رفع ساعات العمل دون تعويض وحذف شهر من الإجازة الصيفية، ورفع عمر الحق بالتقاعد من 20 سنة خدمة إلى 25 سنة، وفرض ضرائب على معاشات المتقاعدين وغيرها من ضرب حقوق مكتسبة منذ الخمسينيات.

رابعاً- خرق الاتفاق وضرب الأرقام وتجزيء الدرجات خلافاً للاتفاق وضرب الأثر الرجعي.  هذه النقاط سنخوض عليها المعارك في مجلس النواب، لكن مايحدث الآن وله الأثر المهم على المرحلة المقبلة علي الصعيد النقابي هو إصرارهم على كسر السلسلة وما تحمله من أثر معنوي متمثل في صمود الناس وتوحدهم، وبروز حقيقة أن الناس مستعدة للعمل والتضحية في حال توفر القيادة الموثوقة والبرنامج الصحيح، لذا الجانب المهم الذي يتم العمل عليه بناءً على ذلك الانتصار المعنوي هو إمكانية خلق حركة نقابية مستقلة، ومن جهة أخرى هيئة التنسيق النقابية بمكوناتها من روابط المعلمين وغيرها من الروابط في القطاع العام تعمل على تشكيل اتحاد عام للعاملين والموظفين في قطاع الدولة، لذا قيمة ما سوف نعمله تتجسد في قدرتنا في الاستمرار بالهجوم وتحصيل الحقوق في التنظيم النقابي عبر تحويل الروابط إلى نقابات حقيقية وفاعلة...