أوسلو في مهب ريح الثورة

أوسلو في مهب ريح الثورة

يتبدى لنا محمود عباس رئيس فريق أوسلو كطفل في الصف الأول الابتدائي عندما يبلل ثيابه نتيجة لبلادته، فتتملكه حالة من الخوف والفزع تمنعانه من مصارحة معلمته بما حصل، وتكبله عقدة الذنب من تلك الفعلة الشنيعة، فيتجه ببطء الى زاوية الصف وعيناه تبكيان دمعاً يعتصر نفاقاً وخوفاً، وأنفه محمر وفمه مفتوح ومنحن للأسفل مفتضحاً حالته التي تثير سخرية من حوله وقرفهم واشمئزازهم..

تلك هي لوحة البلاهة الطفولية التي تتجلى في فريق أوسلو الآن، ولكن بعيداً عن براءة الأطفال، لتظل كل إفرازاتهم مخزية ومقرفة وبلهاء ومبتذلة..

يسارع محمود عباس اليوم الى اعلان انتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات مجلس وطني قبل موعدها في اجراء لاحق مباشرة لنجاح الثورة المصرية باسقاط حليفه الاهم حسني مبارك، الإجراء الذي يزلزل عرش نظام كامب ديفيد كاملاً، وصولاً إلى تصفيته النهائية. وستثبت الأيام ذلك فمنطق التاريخ أقوى من نظام فصل عنوة على حقبة التراجع المتهالكة، هذا النظام الذي يعد مسؤولاً مباشراً عن صناعة قيادات كهذه وسياسات كهذه في الساحة السياسية الفلسطينية. أستطيع الجزم أن محمود عباس رغم كل بلاهته يعي تماماً أن غطاءه السياسي التاريخي العربي قد انتهى والذي كان يشرعن مفاوضاته ويدعمها سواء بتدخلاته المباشرة أو بثقله في الجامعة العربية من خلال المهازل التي كانت تحاك في أروقتها وبسيناريوهاتها الهزلية: «بداية حكومة إسرائيلية جديدة تعلن عشقها المرضي للسلام فيهتز خاطر الأمريكان معبدي الطرق المجهولة إلى السلام، فتفرك أذان الإسرائيليين لتحثهم على ذلك. أما محمود عباس، ولأنه لايريد مفاوضات عبثية بل يصر وبعناد على إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي فيتم اعطاؤه الضوء الاخضر من الجامعة العربية ليباشر المفاوضات بضمانات رعاة السلام.. رعاة البقر.. رعاة الإسرائيليين.. رعاة فريق اوسلو والأنظمة العربية العميلة».

يحاول  محمود عباس أن يبدو على أنه ذلك المتعظ من الدرسين المصري والتونسي والشجاع الذي يواجه نزوة حب الكرسي والصريح والديمقراطي فهو الآن يعود إلى شعبه بهذه الانتخابات ملقياً بنفسه في حضن شعبه، الذي يتقيأ يومياً من مفرزات هذا الابله المقرف ظاناً «أي عباس» انه يشرعن وجوده فيشرعن ممارساته إذا عاد إلى الجماهير ولو بانتخابات هزلية لن تحدث إلا بالضفة الغربية أو في الشتات إن أمكن!! وهو الذي لم يسع يوماً لإقامة هذه الانتخابات على نحو من الجدية فهو يحاول العودة إلى شرعية صندوق اقتراع يحكمه دايتون ومؤسسات السلطة الفاسدة، لعل محمود عباس يحلم أن يختصر الشعب الفلسطيني بتقنية برمجية حديثة تختزل 12 مليون فلسطيني بتنفيذية منظمة التحرير فيتخلص من ثوابت القضية ويستريح من عناء المصالحة الوطنية واصلاح منظمة التحرير والتي كان ينبغي عليه أن يصوغ برنامج إصلاحها ليس على أساس المحاصصة بل على أساس برنامج وطني مقاوم يمثل تطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر والقضاء على الاحتلال والتمسك بالثوابت.

يزهو محمود عباس بكسب اعترافات دول امريكا اللاتينية بدولة فلسطينية على حدود الـ67 دون أن يعي مطلقاً أهمية ذلك المكسب، فهو يظن أنه جاء نتيجة نشاطه الدبلوماسي لابل يحاول أن يوظفه في ترهاته السياسية المتمثلة بـ«السعي لكسب اعتراف ثلثي دول العالم، وعندما نحصل على الثلثين يتاح لنا التصويت عليه ضمن مجلس الامن تحت الفصل السابع، أي العقوبات الملزمة لإسرائيل، وفيما لو استخدم الفيتو امريكيا لابأس سنباغتهم ونذهب لاجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة بدورة استثنائية»؟؟ ومن ثم «يا يموت الشعب الفلسطيني ياتموت الامم المتحدة– ياتقوم القيامة وتريحنا من هالعي».... هكذا يظل محمود عباس يبدع حلوله العبقرية التي تدل عن ابحاثه المستفيضة بدراخيش القانون الدولي... لا يعي محمود عباس أن اليسار في أمريكا اللاتينية ماكان ليتخذ هذا القرار لو لم يلحظ تغير ميزان القوى الذي بات أميل إلى قطب الشعوب، ولا أدل على ذلك «أي تغير ميزان القوى» إلا ثورة الأشقاء. وإن هذا التغير في ميزان القوى ينقل المعركة من أروقة الأمم المتحدة التي مازالت ترتهن بأوامر الصهيونية والامبريالية ينقلها إلى الواقع، أي إلى ارض المعركة الفعلية. بمعنى آخر إن ما أثمر بيد عباس ليس إلا وهمه المتخيل عن أن القانون يصنع واقعاً لكن الحاضر والتاريخ والمستقبل كلها تؤكد أن العكس هو الصحيح. فاعتراف هذه الدول بدولة على حدود 67 يعني وحتى وفق قوانيين الامم المتحدة الاعتراق بحق الشعوب بالمقاومة على هذه الارض بجميع الوسائل، مما يتطلب بالضرورة صياغة رؤية سياسية جديدة تنطلق من ضرورة المقاومة ويصاغ على أساسها برنامج شامل للمقاومة، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، ويترجم بخطاب واع لظروف المرحلة ومتغيراتها ومسؤول عن انعطافاتها التاريخية. وهذا باعتقادنا سيكون جوهر المصالحة الوطنية... تشدق محمود عباس وفريقه طويلاً بميزان القوى المنحاز «لإسرائيل» ليبرروا لهاثهم الدائب وراء المفاوضات، وهم اليوم لايرون أو ربما يتعامون عن ذلك التغير في ميزان القوى الذي يفرض الوقوف والتفكير طويلاً في مسيرة المفاوضات المرتبطة بمرحلة التراجع الثوري بعيداً عن تلك «الصفنات والغيبيات» والتي يوهمنا محمود عباس بأنه سيصعق «إسرائيل» والمجتمع الدولي بخياراته السياسية المبنية دائماً على مبدأ المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات. ومع أننا نلحظ اليوم ان هذا العصر الذي تتسارع فيه الاحداث وتتغير كمياً ونوعياً والتي تجعل الأمريكيين والأوربيين والإسرائيليين يعيدون كل حساباتهم بالمنطقة، فإني أجزم أن محمود عباس أحط من وعي دروس التاريخ، وهذا التسارع سيلتهمه هو وفريقه ليصحو بيوم، بات قريباً، ذليلا مبللاً فراشه مرة أخرى بالقرف ذاته، مرتعداً يدوي في أذنيه صوت شعب الجبارين هداراً «الشعب يريد إسقاط اوسلو»..