موسم الانتخابات وسياسة الهروب إلى الأمام

موسم الانتخابات وسياسة الهروب إلى الأمام

أمام الأزمات المتلاحقة التي تعصف بسلطة رام الله المحتلة، يتفتق ذهن وكلاء إدارتها، عن خطوات هروب باتجاه الأمام. فقد حاولوا التوجه إلى الهيئات الدولية «الأمم المتحدة ومجلس الأمن»، عندما أصبحت وجوههم، وظهورهم للحائط، حين استحالت العودة إلى طاولة المفاوضات، وعجزوا بالتالي عن وقف بناء المستعمرات الاستيطانية الجديدة، بل وعدم توسعها

هذا العجز الذي كشفته بشكل فاضح، مواقف الإدارة الأمريكية- التي راهنوا عليها- المتطابقة مع حكومة العدو. ولم تلبث زوبعة التصريحات الإعلامية حول اللجوء لتلك الهيئات، أن تلاشت أمام العجز الكامل للسلطة، ولحلفائها الإقليميين.

مجدداً وفي ظل المناخ الذي فرضته الثورتان المجيدتان في تونس ومصر على عموم المنطقة، وانتقال مفاعيل التحركات الشعبية لعدة ساحات. أعادت تلك الإدارة المحلية في السلطة: لجنة تنفيذية فاقدة للشرعية، تستحضر زوراً وبهتاناً، اسم المنظمة، التي تم تفريغها على يد أولئك الوكلاء، من محتواها ومؤسساتها الوطنية، لتتحول إلى منصة شكلية، يتسيد مشهدها «ياسر عبد ربه» صاحب وثيقة جنيف الكارثية. وحكومة، لا تملك من أمرها شيئاً، لكونها جاءت على مقاس اتفاق أوسلو، وعلى أرقام الدعم المالي للدول المانحة. هذا الدعم الذي يذهب جزء كبير منه لسماسرة ولصوص فاسدين ومفسدين، تجددت الدعوات لملاحقتهم بتهم سرقة المال العام. وقد جاءت نتائج ثورة 25 يناير/ كانون الثاني في مصر، لتعري هذه السلطة «نهجاً وبنية وأفراداً»، ولترفع المظلة السوداء التي خيمت على مصر الكنانة لثلاثة عقود، والتي استظل في جنباتها عباس وفريقه. إذ أن سقوط مبارك، والبدء بتفكيك مؤسسات نظام الردة والقمع والفساد، والتبعية للإدارة الأمريكية وحكومات العدو الصهيونية سيساهم بكشف أكثر من المستور، في الوثائق المنشورة على فضائية الجزيرة.

وأمام الفضائح التي كشفتها الجزيرة في الوثائق المعلنة، تهاوت عند عامة الناس، رهانات بعضهم عن جدية السلطة في محاولاتها لتحقيق مكاسب للشعب الفلسطيني، وعن إعطائهم فرصة لـ«إنقاذ ما يمكن إنقاذه»! كان رد الإدارة الذاتية المحلية، محاولة جديدة للهروب للأمام، عبر تجييش مشاعر التعصب الفصائلي، وإطلاق حملة ظالمة وبدائية، استهدفت بشكل صبياني أرعن، أكثر من جهة، وعدد من الأشخاص. لكن تلك الحملة لم تستطع أن تحجب الحقيقة، التي أسقطت «كبير» مفاوضيهم.

مع تهاوي وسقوط رأس النظام في مصر، تحت ضربات جماهير الشعب المنتفضة على مدى ثمانية عشر يوماً، بدأ طاقم قيادة السلطة، بتحسس مواقع أقدامه. وهذا ما ظهر قبل أيام عدة، عندما تحدث عباس مازحاً «من التالي... ربما أكون أنا؟». كانت تلك المداعبة/ النكتة، استشراف لمستقبل يلوح في الأفق، خاصة، وأن أية مقاربات بين سلوك ونهج السلطة في رام الله المحتلة، ونظام حسني مبارك، ستشير إلى أوجه الشبه في العديد من المجالات. ولهذا، أطل ياسر عبد ربه  في مؤتمر صحفي، ليعلن قرار لجنته التنفيذية في الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ، في محاولة مكشوفة لامتصاص الغضب الشعبي. وفي خطوة تدّعي الحرص على العملية الديمقراطية التي لن تكون متكاملة في ظل الاحتلال، وفي سياسة الإقصاء والتفرد التي شهدتها تجربة المجلس التشريعي القصيرة. إن الذهاب لتلك الانتخابات في الوضع السائد «سياسياً وجغرافياً»، وفي ظل الالتزامات السياسية والأمنية بين سلطة الحكم الذاتي في رام الله وحكومة العدو، والمحكومة باتفاق أوسلو وملحقاته، سيلحق ضرراً جديداً بالقضية الوطنية لشعبنا. إن الحديث عن توافق بين «حماس وفتح السلطة» يكفي لشرعنة تلك الخطوات، يبدو قاصراً فعلاً. لأن التوافق الحقيقي، الضامن لأي خطوة تنسيقية، تشاركية، يتطلب وجود برنامج سياسي/ كفاحي، يوحد الشعب وقواه السياسية والمجتمعية لوقف التداعيات المأساوية، وإعادة العمل بالبرنامج الوطني المقاوم. إن من يدعو إلى انتخابات تشريعية، يجب أن تتوفر لديه القدرة على إلغاء نهج التفاوض مع كيان العدو، والإقلاع عن الحديث عن تبادل الأراضي، والعمل على الرفض الكامل لبناء المستعمرات الاستيطانية في كل الأراضي المحتلة منذ عام 1967، والوقف الفوري للتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، وتبييض المعتقلات من المقاومين والمناهضين للاحتلال. إن أية دعوة لإجراء انتخابات لتشكيل مجلس وطني جديد، تتطلب الإعلان الفوري عن الالتزام بالميثاق الوطني التي تم إلغاؤه. هذا الميثاق الذي يشكل البرنامج الكفاحي للشعب الفلسطيني، والإطار الذي تتم داخله كل الحوارات الهادفة تطويره على قاعدة تحقيق أوسع مشاركة لقوى سياسية ومجتمعية فاعلة وناشطة، من أجل تعزيز التحالفات الحقيقية على أرضية تطوير الصراع مع العدو.

في هذه الأيام التاريخية التي تصنع فيها قوى النهوض والثورة في المجتمعات العربية مستقبلها، وتكتب تاريخ المنطقة لعقود قادمة، حان الوقت لتبدأ القوى الفلسطينية السياسية والمجتمعية، المتمسكة ببرنامج المقاومة، العمل على تجسيد برنامج عملها بأشكال تنظيمية متقدمة، تتلاءم مع المهام التاريخية الملقاة على عاتقها. هذه المهام التي تتطلب وجود قيادة وطنية، تنهض بمهام الدفاع عن شعبها محلياً وإقليمياً ودولياً.