ما معنى السياسة الاستيطانية الإسرائيلية؟
محمد الجندي محمد الجندي

ما معنى السياسة الاستيطانية الإسرائيلية؟

من نافل القول إن الاستيطان الإسرائيلي هو نتيجة الاحتلال وأنه توسيع للاحتلال، وأنه انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، وأنه تحد لهذا الطرف أو ذاك. كل ذلك لا شأن هنا لنا به.

المعنى الذي يهمنا هنا للاستيطان هو أن «إسرائيل» تقول به للعالم كله، أن أسدلوا الستار على أية تسوية سلمية، وأن كل تحرك في اتجاهها، أو كل نقاش عنها ليس سوى فعل عبثي، سوى ثرثرة فارغة. لا المشروع العربي ولا خطط الطريق الأمريكية، له أو لها، محل في السياسة الاسرائيلية، لا الآن، ولا في المستقبل.

حتى اتفاقيات أوسلو، التي لم يبق منها سوى مساهمة السلطة الفلسطينية في الحفاظ على أمن إسرائيل، سوف تلغى الحياة فيها للفلسطينيين، ورقة إثر ورقة، توسع الاستيطان سوف يطرد الفلسطينيين تدريجياً حتى من موطئ القدم.

هذا الواقع هو الذي، من المفروض أن يراه الفلسطينيون ويلمسوه قيادة وشعباً، وفي داخل «إسرائيل» والأراضي المحتلة وخارجها.

من جهة أخرى هناك الوضع الدولي تجاه ذلك الواقع. الإدارة الأمريكية هي طبعاً مع «إسرائيل» حتى العظم، بل إن الصهيونية الدولية ممثلة بالإيباك AIPAC هي التي تأمر الإدارة الأمريكية، وربما تأمر أيضاً أغلب الإدارات الأوروبية.

الإدارات الأوروبية، السيد جاك شيراك في أيامه أهين في إسرائيل، ولم يجرؤ حتى على الاحتجاج، وكان رئيساً لدولة كبرى.

الإدارات العربية لا تخرج مع الأسف عن الرأي الأمريكي، أما مساعداتها المالية، إن وجدت، فليست إلا لتخدير الفلسطينيين، لا لتحريكهم، وعلى كل حال تلك المساعدات لا تمنح إلا بترخيص أمريكي.

البلدان الثالثية، قد يكون لديها، لدى شعوبها، أو لدى إداراتها تعاطف مع الفلسطينيين، ولكن ليس بيدهم حيلة، قد تصوت الإدارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل استقلال فلسطين، ولكن هذا أقصى ما يمكن أن يقدموه.

الصين وروسيا الاتحادية لديهما تعاطف قديم مع الشعب الفلسطيني وقد ساعد الاتحاد السوفيتي قبلاً منظمة التحرير الفلسطينية كثيراً، ومن الجملة ساعدها في أن تكون عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، ولكن المنظمة اتجهت نحو الإدارة الأمريكية. كل ذلك مضى، ولا جدوى من الحديث عنه الآن، ولكن مازال بإمكان المنظمة غالباً الحصول على مساعدات سياسية من الصين وروسيا. ولكن إذا ما استطاعت المنظمة، أو الفصائل الفلسطينية مساعدة نفسها، وكل ذلك مرتبط بالشروط الموضوعية، الدولية والداخلية الفلسطينية.

اي إذا ما أخذ كل ذلك في الاعتبار، فإن الفلسطينيين متروكون وحدهم أمام غول الاحتلال الاستيطاني.

وليسوا هم وحدهم أمام الغول. المنطقة العربية كلها مهددة، فالمنطق الرأسمالي الدولي هو أن الرأسمالية الدولية هي أحق بالثروات في العالم من سكان العالم الثالث ضعيف التطور، وهي أحق بثروات البلدان العربية من ساكنيها. نفس منطق الاستعمار القديم، ولكن يختلف عنه، بأن الأخير حمل شيئاً من التطور إلى البلدان التي احتلها، نقلها من القبلية إلى العصر الحديث، أما الاستعمار القادم، فلا يحمل سوى الخراب، إنه أعاد، وسيعيد البلدان التي يسيطر عليها إلى القبلية، أي في اتجاه معاكس لفعل الاستعمار القديم.

الشعب الفلسطيني والشعوب العربية هي في خطر مصيري، وإذا ما بقي الواقع الدولي والواقع العربي على حاله، فمصير مناطق عديدة في العالم إلى الدمار.

الأزمات التي تمر بها الرأسمالية الدولية، حيث التقشف (أي سلب الشعب قوته ومستوياته المعيشية) ينتقل في أوروبا من بلد إلى بلد وتبتلي فيه اليوم بلدان مثل فرنسا وبريطانيا، وحيث الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تتلاحق في الولايات المتحدة، هي عامل ضعف دون شك، ولكن لن تكون دافعاً على الأغلب لإعادة النظر في المخططات العدوانية، وإنما، بالعكس، للسير بها بسرعة توهماً كي تصل إلى خلاص لأزماتها، ولذا فسوف تمر الشعوب عموماً في أيام عصيبة.

طبعاً لابد من التفاؤل، فالرأسمالية الدولية لن تنتصر على الشعوب، ولكن قد يفوت الأوان، قبل أن تتمتع الشعوب بتحررها السياسي- الاقتصادي- الاجتماعي.

في ربيع سنة ذات شتاء قارس، وقفت عجوز ريفية تجر شاة هزيلة، وسألها أحد المارة، كيف حالك؟ إنشا الله ما خسرتو كتير، وأجابت: ويلاه، ما بقي من /300/ رأس غنم غير هالشاة، فقال لها: معليش طلع الربيع، وإجا الخير. وقالت: وش افعل بالربيع أطعمه لـَ......

يتمنى المرء أن تتحرك الشعوب قبل فوات الأوان.