طبقة الفقراء الجدد في اليونان
أدت تدابير التقشف القاسية وتعثر الأوضاع الاقتصادية وتدهور خدمات الرعاية الاجتماعية في اليونان إلى ظهور ونمو طبقة من «الفقراء الجدد»، وهو المصطلح الذي يستخدم لوصف حال أولئك الذين يعانون من آثار التهميش والإقصاء الاجتماعي والمعيشي.
وأكد الصحفي أبوستوليس فوتياديس في مقالة نشرتها وكالة «آي بي اس» أن أحوال المعيشة السائدة الآن في اليونان غمست عشرات الآلاف من المواطنين في أعماق هوة الإحباط، فيما بدأت الأزمة الاقتصادية العارمة تمزق النسيج الاجتماعي بلا هوادة.
فمنذ عام 2010 رفعت الحكومة الضرائب، وخفضت معاشات ومرتبات موظفي دولة في جميع المجالات. وفي الشهر الماضي أعلنت الحكومة أنها ستخفض مرتبات 30 ألف عامل تمهيدا لفصلهم، كما كشفت النقاب عن خطتها لخفض المعاشات التقاعدية لما يقرب من نصف مليون متقاعد في القطاع العام.
علاوة على ذلك، فرضت الحكومة «ضريبة التضامن» التي تتراوح نسبتها ما بين 1-4 في المئة من الدخل، وذلك لتخفيف عبء البطالة على الدولة وتحميله على عاتق دافعي الضرائب، ناهيك عن فرضها ضريبة إضافية على العاملين لحسابهم الخاص.
كذلك فقد رفعت الحكومة ضريبة القيمة المضافة على معظم السلع والخدمات. وعلى سبيل المثال، ارتفعت الضرائب على المواد الغذائية من 13 في المئة إلى 23 في المئة.
لكن الحكومة اليونانية فشلت في السيطرة على ديون الدولة على الرغم من كل هذه التدابير القاسية. فقرر الإتحاد الأوروبي خفض عبء الديون اليونانية إلى النصف، لكن مع تشديد قبضة التقشف على المواطنين، أعلنت حكومة أثينا نيتها في طرح هذا القرار الأوروبي في استفتاء شعبي.
وانكمش اقتصاد اليونان بنسبة خمسة في المئة في عام 2011، في حين يقترب معدل البطالة الآن من 20 في المئة.
والنتيجة هي أن العديد من اليونانيين يواجهون الآن خطر الفقر المدقع للمرة الأولى في حياتهم، في وقت يتضاعف فيه عدد المواطنين دون مأوى، فتراهم يتجمعون بأعداد كبيرة في الساحات الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد على الرغم من البرد واقتراب فصل الشتاء.
والآن تتولى منظمة «أطباء العالم» إدارة برنامج متطوعين لتقديم الدعم الطبي للمشردين والمحرومين من المأوى، وذلك فضلاً عن إدارة مرفق صحي في حي «بيراما» في العاصمة أثينا حيث تعتمد الغالبية العظمى من القوى العاملة المقيمة فيه على العمل في قطاع البناء التقليدي وترميم الأرصفة.
فقد تسبب انهيار هذا القطاع على مدى العامين الماضيين في فقدان 80 في المئة من القوى العاملة لوظائفهم وهو ما دفع عشرات من العائلات المقيمة في هذا الحي تحت خط الفقر.
ووصف نيكيتاس كاناكيس، رئيس منظمة أطباء العالم، حال أثينا الواقفة على حافة الأزمة الإنسانية، قائلاً على سبيل المثال إنه تبين أن 23 من مجموع 40 طفلاً فحصهم الأطباء، يعانون من حالة سوء التغذية.
وأضاف: «كنا نظن قبل بضع سنوات أن اليونان قد انتقلت إلى مرحلة اعتبار نقص الغذاء قضية اجتماعية بارزة، والآن نرى أنفسنا نناشد الجميع علناً المساعدة على تقديم الطعام حتى نستطيع توفير الحصص الغذائية إضافة إلى الملابس والأدوية للمواطنين المحتاجين».
عن هذه القضية، يقول جيورجوس ابوستولوبولس، رئيس مركز أثينا للمشردين، إن نقص المواد الغذائية قد بلغ نقطة الأزمة، فقد شهد المركز، الذي يوزع الطعام عدة مرات يومياً على المحتاجين، زيادة قدرها 30 في المئة في عدد المترددين عليه منذ بداية عام 2011.
وأفاد أن المركز يقدم يوميا 3000 وجبة تضاف إلى 3200 وجبة توفرها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية.
وأضاف أن المركز قد وجه نداءً مفتوحاً للجمهور للتبرع بالمعكرونة وصلصة الطماطم المعلبة لتوفير الوجبات قبل نهاية الأسبوع، ذلك لأن نقص الموارد المالية أصبح يخل بوتيرة توزيع المواد الغذائية.
يضاف إلى كل هذا وذلك، ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات في الأماكن العامة وغالباً على أبواب الجامعات، ودون أي بوادر جدية على أية جهود لمكافحتها. فقال ايفاجيلوس ليابيس، الطبيب الميداني بمركز التحكم في الأمراض والوقاية منها، إن العيادات المتنقلة التابعة للمركز قد فحصت حوالي 8000 شخص منذ حزيران الماضي.
وأضاف «لقد لاحظنا أيضاً زيادة كبيرة في حالات الإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي مثل الزهري، والأمراض التي تنتقل عن طريق الجلد مثل الثآليل، كما نتوقع زيادة أمراض التهاب الكبد وفيروس نقص المناعة البشرية بين هذه الفئات من الناس» أي متعاطي المخدرات.
وأعرب عن قناعته بأن تدهور الأحوال الصحية للمواطنين إنما يرجع إلى انهيار برامج الرعاية الاجتماعية.
وأخيراً وليس آخراً، أفاد وزير الصحة اليوناني اندرياس لوفيردوس في أيلول الماضي عن تقديرات بارتفاع عدد حالات الانتحار بنسبة 40 في المئة في الأشهر الأولى من العام الجاري.