البعض يتساءلون: هل حرروا ليبيا أم احتلوها؟.. الضحايا غير المرئيين للحرب الليبية
اتفق سليمان وعبد الرسول على الالتقاء في جامعة بني وليد، في غرب ليبيا، لعلهما يعثران على بعض تدوينات الكيمياء وربما جهاز كمبيوتر صالح للاستعمال. لكنها مهمة صعبة حقاً، فقد حول حلف شمال الأطلسي الحرم الجامعي إلى أكوام من الأنقاض والركام في الشهر الماضي.
كانت بني وليد، التي تأوي 80 ألف شخص وتقع على بعد 150 كيلومتراً عن طرابلس، الملاذ الأخير لابن معمر القذافي وساعده الأيمن سيف الإسلام. وكانت جنباً إلى جنب مع سرت آخر معقل للنظام الذي كان يحتضر منذ بضعة أشهر.
فيتساءل سليمان وسط أطلال المعادن الملتوية والركام والأوراق «ما الذي كان حلف شمال الأطلسي يبحث عنه هنا؟». ليس هنا ما يشير إلى أسلحة أو أزياء رسمية أو أي شيء آخر يدعو إلى الاعتقاد بأن هذا المكان كان موقعاً عسكرياً... بل ولا ترى أي أثر للرصاصات وسط الركام والأنقاض المتناثرة في شوارع بني وليد.
فيجيب عبد الرسول وهو ينظر إلى حفرة خلفتها صواريخ حلف شمال الأطلسي «كانت هناك شائعات بأنها كانت مخبأً لموسى إبراهيم (المتحدث باسم حكومة القذافي)، لذلك قصفوها». مقاعد قاعة المحاضرات الحمراء هي ضمن أشياء قليلة باقية. فتتولى مجموعة من «الثوار» تحميلها على شاحناتهم. فيقول السائق عمر عبد الرحمن «نأخذها حتى لا يسرقونها».
أما غرفة الكمبيوتر فقدت فات أوانها للأسف: طاولات كمبيوتر سليمة.. ولكن بدون أجهزة كمبيوتر.
المشهد كئيب أيضاً في شارع السوق. دكان واحد فقط فتح أبوابه. صاحبه رفيق، لا يريد التحدث. العارضات المتفحمة التي يجرها من داخل المحل هي بليغة بما فيه الكفاية.
هناك شعارات «لواء الزاوية»، «شباب مصراتة»، «جيري حرة دائماً» مكتوبة على جدران المدينة، شعارات كتبتها أكثر من 40 كتيبة للثوار الذي ناضلوا تحت الغطاء الجوي لحلف شمال الأطلسي من أجل تحرير بني وليد في 17 أكتوبر الأخير.
وهناك أيضا شعارات تكرر بإلحاح في كافة أنحاء البلدة: «الورفلة كلاب». لا عجب، فبني وليد هي المدينة الوحيدة لقبيلة واحدة في البلاد. الجميع هنا ينتمون إلى قبيلة الورفلة، أكبر القبائل في ليبيا بأكثر من مليون شخص من أصل ستة ملايين نسمة. وكانت الورفلة، جنباً إلى جنب مع قبيلة القذافة، ضمن أكثر الموالين لنظام القذافي. العثور على منزل سليم في بني وليد مهمة تكاد تكون مستحيلة. الصواريخ دمرت كل شيء، من الجدران إلى النوافذ إلى أجهزة التلفزيون وأجهزة التدفئة.
فيقول ميكانيكي الطائرات بو باجار من الباحة الداخلية للمبنى الذي عاش فيه: «لقد نهبوا كل المنازل، منزلاً منزلاً».
قد يكون دخول منزل عبد الله خالد أسهل... فكان على وشك الزواج فجهز الطابق الأول من منزل الأسرة عندما تحطمت أحلامهم بسبب ثقب في الجدار على مستوى الشارع.
فيقول خالد، 24 عاماً، سائق الشاحنات سابقاً والعاطل عن العمل الآن والذي يعيش في شقة بالإيجار: «غادرت بني وليد في 14 أكتوبر، قبل ثلاثة أيام من دخول المتمردين. كان بيتي سليماً... أما الآن...».
تتكرر روايات مؤلمة مماثلة في جميع أنحاء المنطقة. فقد حرقوا شاحنتين لعبد الله أثمان، 65 عاماً، أثناء محاولته نقلهما على بعد كيلومترين من المدينة لحمايتهما من القصف. لكنه ابتسم للمرة الأولى منذ سنوات طويلة عندما جاء ابنه بسيارتهم المسروقة التي دلوه عليها في مشارف طرابلس.
أما في مطار بني وليد، فتجد مقر الشيخ عمر المختار، المسؤول الرئيسي عن تنسيق الميليشيات البالغ عددها 45 ميليشيا والتي تسيطر على المدينة حالياً.
فيقول هذا القائد والزعيم القبائلي الذي سمي باسم رمز النضال الليبي ضد الاحتلال الإيطالي في أوائل القرن العشرين: «كان للقذافي العديد من الأتباع هنا، وكان من الضروري تفتيش كل منزل للتأكد من أن أحداً لم يخبأ الأسلحة فيها».
عمر المختار يقر بوقوع عمليات سلب ونهب، لكنه يقول إنه يحضر الآن «تعويضاً مالياً للمتضررين بقدر من الذهب تبلغ قيمته ثلاثة ملايين دينار ليبي» (1.5 مليون يورو).
مهما حدث، فيقول المهندس الميكانيكي عبد الحميد صالح المقيم بالمدينة: «يجب رفع كل هذه الجرائم إلى السلطات المختصة. لا يوجد أي أحد في بني وليد مستعد للتعاون مع أي حكومة تتجاهل هذا العمل الوحشي».
ويختتم عبد الحميد: «لقد وقعت مدينتنا ضحية قصف حلف شمال الأطلسي واعتداءات الميليشيات القادمة من كل مكان... فهل يسمى ذلك بالتحرير؟ بالنسبة لي، ليس هذا سوى احتلال بكل معنى الكلمة».