تقييم أولي للانتفاضة المصرية - حتى الآن
إبراهيم البدراوي إبراهيم البدراوي

تقييم أولي للانتفاضة المصرية - حتى الآن

الاستجابة للدعوة إلى الاحتجاج (يوم الغضب 25 يناير) أوسع مما تصور أي أحد. المشاركون في غالبيتهم الساحقة شباب لم يشاركوا في أي نشاط سياسي أو حزبي. وهو ما حول الغضب تضامناً مع شباب أقدم على الانتحار إلى انتفاضة حقيقية.

شعارات الانتفاضة تنحو بوضوح شديد إلى الجذرية، ذات طابع سياسي (الشعب يريد إسقاط النظام) أو ذات طابع اجتماعي جذري.

تزامنت تحركات الانتفاضة في أهم محافظات مصر. في القاهرة التي كانت تتم عمليات حصار شديدة للوقفات الاحتجاجية تم اختراق الحصار وتحولت الوقفات الاحتجاجية إلى مظاهرات عارمة في أحياء عديدة، إلى أن  تمكنت أعداد كبيرة في المساء من الاعتصام في ميدان التحرير.

أهم المحافظات التي شاركت بفعالية في الانتفاضة مع يومها الأول هي الاسكندرية– الدقهلية (المنصورة)– الغربية (المحلة الكبرى، طنطا)– السويس– دمياط– بور سعيد– الفيوم– سيناء، ومشاركات بمستويات أقل في محافظات أخرى.

التظاهرات ضمت مئات ألوف المتظاهرين تعد هى الأكبر منذ ثلث قرن (انتفاضة يناير 1977). مع اتساعها وجذرية شعاراتها بدأت مواجهتها بعنف شديد، وسقط عدد من القتلى، أما الجرحى بالمستشفيات فتفيد التقديرات بأنهم حوالى 700 إلى 800، عدد كبير منهم في المستشفيات قيد الاعتقال تحت حراسة الشرطة.

رغم الحملات الإعلامية المحمومة من السلطة، إلا أن هناك تعاطفاً شعبياً واسعاً مع الانتفاضة.

أن الانتفاضة رغم القمع استمرت لليوم التالي، حيث توالى القمع والاعتقال، ونرى أن قوة الدفع وراء استمرارها حتى الآن (حتى وان اقتصرت في عدد كبير من المواقع على عمليات كر وفر) تعود قوة الدفع إلى عاملين هما الاحتقان الشديد المختزن لسنوات نتيجة سياسات السلطة، والثاني هو أن دماء قد أريقت برصاص الشرطة. لذلك فإنها لم تنته، قد تأتي فترة هدوء، ولكنها سوف تكون أكثر شمولاً واتساعاً وجذرية.

أن الانتفاضة بقواها سبقت النخبة السياسية المصرية بكل مكوناتها، سواء في التظاهرات الواسعة أو في جذرية  الشعارات التي تجاوزت المطالب الإصلاحية.

لا يستطيع أي تيار أو جماعة سياسية الادعاء بأنه صاحبها. بل تفاوتت المواقف من الأحزاب الرئيسية المعارضة. فبينما عارضها وأدانها حزب التجمع، وقف الحزب الناصري خارج المعادلة بسبب صراعاته الداخلية. لكن حزب الوفد أعلن تأييده لها بعد اتساعها. ولم يشارك فيها سوى حزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي. وشارك الإخوان بشكل محدود وكذا الجمعية المصرية من أجل التغيير، حيث يقف جميع هؤلاء تحت سقف منخفض لا يتناسب مع جذرية الانتفاضة وشعاراتها.

القوى الجذرية المشاركة هي حركة كفاية– حزب العمل (المجمد)– حزب الكرامة– الاشتراكيين الثوريين– حركة اليسار المصري المقاوم، وجماعات شبابية جذرية عديدة.

تجري محاولات لاحتواء الانتفاضة من القوى الإصلاحية.

المهمة المطروحة أن تظل جذوة الانتفاضة مشتعلة. وأن تجري دراسة وحوار عميق لتطويرها في مواجهة سلطة مصابة بحالة من الهلع الشديد  لجأت إلى الخيار صفر في المواجهة. غير أن الايجابي هو أن حالة من الحماس الشديد تتملك الشباب وقطاعات واسعة من الشعب. لذلك فإن جدول أعمالنا الراهن هو كيفية استمرار وتطوير الانتفاضة إلى عصيان مدني يقتلع النظام القائم.