طرابلس.. الحوله.. بغداد!

طرابلس.. الحوله.. بغداد!

ينتقل شبح الموت من بغداد إلى الحولة فطرابلس مرتدياً عباءة الطائفية، هذا الامتداد الجغرافي لخريطة الموت المجاني بين دول ثلاث في بحر أسبوع واحد، له من الدلالات والمؤشرات ما يكفي بأن نقرع أكثر من جرس إنذار عن احتمال وجود من يعمل على تفجر صراع طائفي إقليمي، وليس المهم هنا معرفة أدوات التنفيذ أو سيناريوهاته أو من بدأ ومن كان الضحية الأولى بقدر ما يهم من هو المستفيد، ومن خلق ويخلق الأجواء المناسبة لتسويق صراع دموي مجاني.

 

إن الانطلاق من هذه الحقيقة يقودنا للاستنتاج بأن المستفيد الأول هم أصحاب مشروع الفوضى الخلاقة، وهؤلاء لا يمكن أن ينفذوا جرائم بهذا المستوى من السادية والانحطاط الأخلاقي دون أدوات تنفيذ تتوزع بالتأكيد في أكثر من موقع أو ملة أو طائفة.

إن إشعال الصراعات البينية طائفياً ودينياً وعرقياً في منطقة ذات طبيعة ديموغرافية معقدة، والتي تأتي من ضمنها الحولة وبغداد وطرابلس هي إحدى أدوات التحكم بالتطور اللاحق للأوضاع في المنطقة وخصوصاً ملفاتها الساخنة، وتحقيق جملة أهداف دفعة واحدة.

تعميق الفالق السني الشيعي، تمهيداً لعمل عسكري محتمل ضد ايران، وهذا ما يتطلب أن تكون إيران«الشيعية» معزولة عن محيطها «السني» ولاسيما أن الأزمة الرأسمالية تتعمق بدلالة بروز خلافات واضحة بين المراكز الرأسمالية حول طريق الخروج من الأزمة، وحتى في العديد من الملفات الدولية كالانسحاب من افغانستان، وطالما أن الأزمة تتعمق فإن احتمالات الحرب ضد ايران ليست قائمة فحسب بل تصبح في حكم المؤكد، لأن الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية، لاسيما وأن المفاوضات الإيرانية الغربية حول الملف النووي عادت إلى المربع الأول.

تغيير اتجاه المعركة الأساسية في المنطقة من الصراع مع العدو الصهيوني إلى اتجاه آخر حيث دأبت وسائل إعلام البترودولار خلال الفترة الماضية على تقديم ايران باعتبارها العدو الأول للعرب، الأمر الذي يعني من جملة ما يعني شطب حالة العداء لاسرائيل من جدول الأعمال نهائيا وصولاً إلى محو ذاكرة الأجيال العربية التي تربت محقة على صراع وجودي مع الكيان الصهيوني، أو في أحسن الأحوال تجميد حالة العداء هذه.

إشغال القوى الصاعدة على المستوى الدولي «روسيا والصين» بمواقع نفوذها التاريخية، وصولاً إلى امتداد هذه الصراعات إلى داخل هذه الدول نفسها على خلفيات تنوع التركيب الديمغرافي.

وضع المقدمات لتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة القائم على تفتيت الكيانات القائمة، وتشكيل دول أحادية الطوائف، وهذا ما يتطلب مستوى عالياً من نزيف الدماء تؤسس لحالة التقسيم المفترضة.

محاولة سرقة الموجة الثورية الساعية في العمق إلى التغيير الوطني الديمقراطي وتفريغها من محتواها باعتبارها أداة شعوب المنطقة نحو التخلص من الاستبداد والقمع والتخلف والتبعية للغرب الرأسمالي الذي لم يتعاط يوماً مع ملفات المنطقة إلا بكون هذه المنطقة إحدى مصادر النهب الرأسمالي العالمي، إن صراعاً طائفياً مفترضاً كالذي تسعى إليه الدوائر الغربية والكومبرادور المحلي من شأنه إدخال المنطقة ضمن دوامة جديدة، وهي التي تعيش ضمن دوامة سايكس بيكو منذ ما يقارب القرن.

نحن لا نعتقد أن شعوب المنطقة بكل طوائفها وأديانها ومذاهبها لديها استعداد للدخول في صراع عبثي كهذا، إذا كانت القوى الوطنية الديمقراطية لشعوب المنطقة على مستوى الحدث والمسؤولية التاريخية واستطاعت تأمين تلك الأداة السياسية التي تفهم طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة باعتبارها مرحلة تحقيق مهمة تاريخية مزدوجة يمكن أن تختصر بالتحرر السياسي والاجتماعي، وتحقيق مهام الثورة الشعبية الحقيقية التي تتصدى للمهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديموقراطية باعتبارها مهمة واحدة تكثف كرامة الوطن والمواطن.