انتفاضة الشعب التونسي.. درس وطني بامتياز
محمد أبو حجر محمد أبو حجر

انتفاضة الشعب التونسي.. درس وطني بامتياز

وقف الجميع مذهولين أمام ضخامة الحدث.. الشعب التونسي يتمكن أخيراً من الإطاحة برأس النظام العميل ويجبره- بانتفاضة شعبية عارمة وغير متوقعة على الإطلاق- على الهروب مسربلاً بالليل، ويا لعاره ويا لعار الشاه الإيراني السابق فقد تخلى عنه أقرب الأصدقاء , أعتقد أن التاريخ سيمجد الانتفاضة التونسية ويخلد ذكرى الرابع عشر من كانون الثاني بشكل استثنائي جداً. إنه يوم سيؤرخ لأحد أهم الأحداث التي مرت بها المنطقة العربية والتاريخ سيؤكد ذلك.

يمكن للمرء أن يُحَّمِل الحدث أوجهاً مختلفة, كل حسب وعيه الطبقي, ولكن وفي حقيقة الأمر فإنها انتفاضة الشعب الجائع مطالباً بلقمة عيشه وسرعان ما تحولت إلى انتفاضة واعية للشعب الثائر المطالب بالانتقام ممن سلبوه حقه ونهبوا بلاده وارتموا في أحضان الإتحاد الأوربي والنظام الإمبريالي العالمي.

إن المنعطف الحقيقي الذي تحقق في خضم الأحداث, هو تبلور وعي طبقي مميز لدى عامة الشعب التونسي تجلى برفضه التراجع والتفريط بالتحرك الشعبي مقابل وعود بائسة أطلقها الرئيس المخلوع بالتوظيف بداية، وبالإصلاح لاحقاً، وبعدم ترشحه للرئاسة مجدداً في خطابه البائس الأخير. وعلى هذا كان واضحاً أنه تحرك لم ولن يتوقف.. إن من خرج من منزله قاصداً التغيير وليس الإصلاح لن يعود حتى تتحقق كل مطالبه.

وبموازاة الدرس الاقتصادي الاجتماعي المتحقق في الانتفاضة التونسية المباركة والذي أعلن إفلاس الوصفات الليبرالية للاقتصاديات التابعة عن تحقيق أي إنجاز سوى المزيد من البؤس والفقر والذي سيدفع بالناس إلى الشوارع في كل تلك الدول التي تسارع للارتماء في أحضان النظام العالمي الجديد و أربابه, فإنه وبموازاة هذا الدرس فإن هناك درساً وطنياً بالغ  العبرة قدمته لنا الانتفاضة التونسية وإن كان من غير تخطيط !

لم يعرف الشباب والفتيات ممن ألهبوا الشارع بهتافاتهم، ولم يعرف الشهداء وهم في طريقهم نحو صناعة المجد, بأنهم البرهان الحقيقي الذي كان في طريقه لدحض أخطر مقولة في  المنطقة وبأنهم الطريق لإظهار إفلاسها التام، بل وتقديم البديل الواضح أمام الملأ.

نعم لقد استطاعت الحشود التونسية أن تدحض مرة واحدة وإلى الأبد إفلاس ادعاءات الطابور الخامس القائلة «بانسداد أفق الرهان على الشعوب لتحقيق التغيير وبأن الدور أصبح أمام الآلة العسكرية والإعلامية الخارجية» ودحض هذه المقولة نظرياً وواقعياً كان التحدي الوطني الأهم أمام كل القوى الوطنية في المنطقة, فيا شهداء تونس ويا أبطاله أنتم خير دليل لنا وللقوى الوطنية جمعاء على دقة و صوابية الرهان على الشعوب في عملية التغيير.. أنتم خير دليل على أن الشعوب حرة ما تزال وحية ما تزال وبانتظار اللحظة.

وبتمكن الشعب التونسي من إسقاط رأس النظام فإن العملية الأولى من التغيير التونسي المطلوب قد تمت بنجاح, المطلوب اليوم من نشطاء الانتفاضة المباركة جميعهم التأكيد على أن العودة للمنازل لن تتم إلا بالتغيير الكامل وإعادة بناء أسس النظام من جديد تعزله عن التساوق التام مع الإرادة الأوروبية في المنطقة. الفرصة الآن مواتية لتحقيق الهدف الآن تماماً وفي هذه اللحظة بالتحديد (اليوم لا البارحة ولا غداً).

الانتفاضة الشعبية التونسية هي الدليل الحي والواضح على أنه عصر انفتاح الأفق أمام الشعوب, إنه عصر أفول نجم الرأسمالية والخانعين والخاضعين لها بإذعان, لنقرأ جيداً ما يكتنف حوض المتوسط من حراك في البرتغال في إسبانيا وفي اليونان في تونس وما حصل في الجزائر إنه انتفاضة المقهورين والجياع, وإضافة إلى كل ذلك فهي الدليل الدامغ الذي حطم حجج أصدقاء الدبابة الأميركية أبطال الرهان على الخارج في عملية التغيير.

المحررون لا وجود لهم- لا في الداخل ولا في الخارج بكل تأكيد- الشعوب هي من تحرر أنفسها ولكنها تعرف تماماً متى الأوان لذلك وهذا هو الدرس الذي تقدمه الانتفاضة التونسية لكل الطابور الخامس في المنطقة.