تونس: الليبرالية الجديدة هي القضية... لا الإسلام
يتعرض حزب النهضة الإسلامي للهجوم من معارضيه وشركائه في التحالف بسبب سياساته الاقتصادية الليبرالية الجديدة.
فبعد الانتخابات التي اتسمت بالشفافية، انشغلت كبرى الأحزاب التونسية بوضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة أول حكومة ديمقراطية في تاريخ البلاد، حيث يحصل حزب النهضة الإسلامي على غالبية المناصب الهامة، بما في ذلك منصب رئيس الوزراء.
والواقع أن حزب النهضة يحظى بشعبية عريضة على ضوء تاريخه في مقاومة الدكتاتورية، ويراه مؤيدوه كحزب إسلامي ولكن أيضاً كحزب الثورة والتغيير. ومع ذلك، فعندما يتعلق الأمر بقضايا تخص الاقتصاد والشؤون المالية الدولية، غالباً ما ينادي حزب النهضة بمواصلة السياسات الليبرالية الجديدة التي اتبعتهاالدكتاتورية السابقة.
لقد هيمن حزب النهضة على نتائج انتخابات أكتوبر الماضي بفوزه بثلاثة أضعاف المقاعد التي فاز بها الحزب الذي يليه شعبية. لكنه نظراً لفشله في الفوز بالأغلبية المطلقة اضطر إلى تشكيل ائتلاف مع اثنين من أحزاب يسار الوسط: المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل.
هذان الحزبان علمانيان رسمياً، وسبق وأن حذرا منذ فترة طويلة من الخلفية الإسلامية لحزب النهضة. إلا أنهما، بالإضافة لجماعات يسارية أخرى ومؤيديهم في الشارع، صارا ينتقدان سياسات النهضة بشكل متزايد في الآونة الأخيرة.
وقد أشاد الكثيرون بحزب النهضة لاعتداله، وتمكن بالتالي من كسب دعم العلمانيين أو على الأقل تسامحهم، وكذا الأمر بالنسبة لقطاع الأعمال الكبيرة والحكومات الأجنبية وغيرهم من الجهات التي عادة ما لاتثق بالحركات الإسلامية.
ومع ذلك، وفي حين تمكن حزب النهضة من تحييد العلمانيين عن طريق تبني مبادئ الحرية الشخصية والدينية بشكل رسمي، فما زال يسعى للوصول إلى المجتمع المالي الدولي والشركات الكبرى من خلال التعهد بإحداث التوازن الواجب مع شركائه اليساريين في الائتلاف.
وكانت إحدى النقاشات رفيعة المستوى التي جرت مؤخراً بين اليساريين والإسلاميين في الائتلاف الحاكم تتعلق بديون تونس الدولية.
فقد حصل ديكتاتور تونس المخلوع على قروض دولية عديدة من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية. وانفق الكثير من هذه الأموال على تنمية تونس بالفعل. ولكن نظراً لتفشي الفساد والمحسوبية في صفوف النظام القديم، يسود الاعتقاد بأنه قد جرى اختلاس جزء كبير من هذه الأموال.
ويؤمن العديد من المواطنين التونسيين بأنه ليس من العدل أن يتوقع منهم تسديد القروض التي أثرت الدكتاتور السابق.
وفي إطار الاستجابة لهذا الغضب الشعبي، طالبت شخصيات بارزة داخل أكبر الأحزاب العلمانية في تونس- حزب المؤتمر من أجل الجمهورية- بتدقيق الديون التونسية الدولية والتوقف عن سداد المبالغ التي يثبت استخدامها بصورة غير مشروعة من النظام القديم.
وقد تحدثت العضو بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية في البرلمان وعضو اللجنة الاقتصادية، مباركة مبارك، عن آرائها بشأن مسألة الديون الخارجية بشكل عام، قائلة: «نحن نحاول أن نكون مستقلين قدر الإمكان عن مؤسسات الإقراض الدولي.. فنحن لدينا مشكلة كبيرة تتعلق بالديون... ولا يمكننا أن نأخذ قروضاً جديدة دون مراجعة الديون السابقة».
أما وجهة نظرها بشأن سداد الديون المختلسة فهي أقوى من ذلك: «لدينا الحق في مراجعة وتدقيق هذه الديون. وبالنسبة لجزء الدين الذي خدم النظام ولم يهدف لمساعدة المواطنين التونسيين، والذي من الواضح أنه كان لاستخدام المافيا (الأسر الحاكمة سابقاً) والذي يبلغ ملايين الدنانير، فلن يتحمل المواطن التونسي هذا العبء.لقد أعطى المقرضون الدوليون هذه القروض للدكتاتور وكان يتوجب عليهم التصرف بطريقة أفضل».
وأشارت إلى «خلاف» قائم حول هذه القضية بين حزب النهضة الإسلامي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.
من جانبه، وفي معرض حديثه من مقر حزب النهضة في تونس، أوضح ممثل الحزب فيجاني سيد أن النهضة ملتزم بجذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
وقال «يجب على تونس أن تجتذب الاستثمارات الدولية، وعلينا أن نفعل كل ما يمكننا القيام به لتجنب الديون الدولية. هذا ممتاز، ولكن نحن ضد العقيدة الجامدة، نحن بحاجة للاستثمار، كما أننا بحاجة للبحث عن (الاستثمارات) من أي مكان تأتي منه»!!
هذا وفي حين قد يلقى إلغاء أجزاء من الديون الدولية تجاوباً بين رجل الشارع في تونس، إلا أن الكثيرين في الأوساط المالية التونسية تجد أرضية مشتركة أكبر مع النهضة. فقد صرح فاضل عبد الكافي، رئيس البورصة التونسية، أنه منبهر بالسياسات الاقتصادية «الليبرالية جداً» لحزب النهضة ويأمل في أن يحقق توازناًمع الأحزاب اليسارية في الائتلاف.
كذلك «فعادة ما نظر للنهضة كحزب الطبقة العاملة»(!!) وتسبب خطابه الديني في نفور الكثيرين من الطبقات العليا. فأعرب عبد الكافي عن مخاوفه بشأن سياسات النهضة الاجتماعية، وعن كونه يرى بوضوح احتمال إيقاف النهضة لأية خطوات جذرية قد يرغب شركاؤه في الائتلاف بتطبيقها.
وهذا ينطبق بشكل خاص، كما يقول، على مسألة تجميد أي من ديون تونس الخارجية، وهي السياسة التي يندد بها كسياسة «شعبوية». «فتجميد سداد الديون الخارجية سيكون أكبر كارثة يواجهها بلد مثل تونس»، وسيؤدي ذلك لأن تفقد تونس «أهميتها الاستثمارية لوقت طويل».
كما يعتقد عبد الكافي أن الديون الخارجية ليست كبيرة بما يكفي لتبرير اتخاذ إجراءات جذرية من هذا القبيل. «فكل الديون الخارجية ليست بهذه الأهمية، لأنها تمثل 20 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في تونس. وتونس لديها الوسائل والقدرة على تسديد ديونها كأي دولة محترمة».
لكنه في حين يرى عبد الكافي تسديد الديون الخارجية باعتبارها مسألة تتعلق «بالنزاهة الوطنية»(؟!!)، يشعر كثير من التونسيين بالاستياء من الغرب بسبب دعمه للدكتاتورية السابقة لعقود طويلة، ويشعرون أنه من الخطأ أخلاقياً أن يتوقع منهم أن يدفعوا ثمن انحطاط الأسرة الحاكمة سابقاً.
والواقع هو أن حزب النهضة، على الرغم من «مكانته الثورية»، قد بدأ يبدو كمدافع عن كبرى شركات الأعمال وهيئات التمويل الدولي مما قد يلحق الضرر بسمعته كنصير الضعفاء.
هذا وتتميز تونس بتقليد عريق بوجود القطاع العام الكبير، فيما يعتمد العديد من التونسيين على الإعانات المكثفة من أجل البقاء.
ومنذ فترة طويلة، يدعو المقرضون الدوليون كصندوق النقد الدولي الحكومة التونسية إلى خفض هذه النفقات الحكومية. إلا أن مجرد إي تغيير بسيط في سعر الخبز أثناء الحكم الدكتاتوري، أدى إلى احتجاجات كبيرة وعنيفة في الشوارع.