انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان...أم كلاهما...؟...
الحوار المتمدن الحوار المتمدن

انهيار اليورو.... أم إفلاس اليونان...أم كلاهما...؟...

لم يعد غامضاً ما يواجه اليونان واسبانيا والبرتغال وايطاليا وايرلندا من مصاعب مالية وتوترات اجتماعية متصاعدة لم تبلغ بعد أسوأ مظاهرها ، ولا علم لأي أحد كان بما ستأتي به الأيام والشهور القادمة من حلول لتلك المصاعب غير التوقعات المتشائمة.

أما موضوع اليورو فيطرح اليوم وسط تكهنات بانهياره عاجلا وليس آجلا ، وهي تكهنات نظر اليها من  اليوروويين بحذر بعد أن اعتبروها خمس سنوات مضت مجرد أوهام. اليوم تدور المناقشات داخل القاعات المغلقة وخارجها حول انسحاب دول أعضاء في الاتحاد الأوربي من منطقة اليورو وهو أمر ما كان يخطر ببال أحد قبل انتشار تبعات الانهيار المالي في الولايات المتحدة عبر العالم كانتشار النار في الهشيم. دول الاتحاد الأوربي اكتوت هي الأخرى فأصابها ما أصاب الآخرين، ولكن بفارق وحيد ، هو جسامة الضرر الذي لحق باقتصاد بعض دول اليورو الأقل نموا. أما اليورو فالاعاقة التي أصابته من جراء ذلك ستبقيه كسيحاً لفترة طويلة من الزمن ، ما لم تتخذ أهم دوله ( ألمانيا وفرنسا ) قرارها بالغائه نهائيا ليأخذ بعده كل طرف سبيله ، تاركين المجال واسعا للدولار الأمريكي ليعود من جديد سيد الملعب واللعبة. فليس في مصلحة الولايات المتحدة وجود عملة قوية تنافسها سياسيا تحت غطاء اليورو أو الاسترليني او الين ، فهي كما هي دائما تخلق الأزمات في أوربا والشرق الأوسط والأقصى لتجديد الثقة بها زعيماً للاقتصاد الحر وللرأسمالية. وما يؤكد رأينا هذا هو ما صرح به الخبير الاقتصادي الأمريكي القريب من صناع القرار في الولايات نمرود رفائيلي لمراسل قناة روسيا اليوم في واشنطن ، حيث قال : إن مشكلة اليورو هي من بين المشاكل الرئيسية التي تخص الاتحاد الأوربي موضحا : «أن أزمة اليورو لها علاقة بالنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت أكثر من مرة بأنها لن تشارك في أي مساعدة مالية تخص منطقة اليورو».

خبير آخر في الشؤون الاقتصادية والمالية هو الرئيس التنفيذي لمركز البحوث الاقتصادية في لندن السيد دوغلاس وليامز يقدر تكلفة انهيار اليورو بمائتي بليون باوند استرليني على الأقل ، وقد يقترب من ستمائة بليون في حالة عدم التخطيط لما قد يصيب الدول الأعضاء من تبعات. وبحسب استنتاجاته أن مصدر الخطر الذي واجه دول اليورو سابقا وفي الظروف الحالية هو التوتر الناشئ بين مستويات الرخاء لدى الأوربيين الذين يشعرون أنهم جديرون به في حين أن المتاح والممكن هو دون ذلك. نهاية اليورو في شكله الحالي أمر أكيد وواقع ، والعملة التي تسمى يورو ربما تنجو ، لكن يجب إعادة تشكيلها. أما النتائج فتعتمد على التوقيت والسبل التي يتوارى اليورو بناء عليها. ويقول الخبير : " إن الانهيار سيكون مكلفاً جداً، فبعض دوله ستفقد 10% ناتجها القومي الاجمالي. وبصرف النظر عن التكلفة فإن النمو الاقتصادي سيكون أسرع مما لو جرت محاولات للابقاء عليه كعملة ضعيفة بالوقت نفسه الذي تستمر فيه سياسات خفض النفقات الحكومية." آراء الخبير دوغلاس تبدو واقعية ومتوقعة ، لأن الوسط الذي ولد فيه اليورو كان متخما بالاختلافات في مستويات تطور وسائل الانتاج وفي التشكيلات الاجتماعية المعبرة عنها ، إضافة إلى خلافات جوهرية بين مكونات الاتحاد النقدي حول السبل التي ينبغي أو لا ينبغي اتباعها للاسراع في إعادة عجلة النمو إلى الحركة من جديد في دول الاتحاد الأوربي عامة ومنطقة اليورو بوجه خاص. لقد كان للأستاذ في جامعة نيويورك نوريل روبيني رأي مشابه لما أبداه الخبير دوغلاس ، فهو « يتوقع إفلاس اليونان وخروجها من اليورو والعودة إلى عملتها الـ «دراهما» خلال هذا العام أو العام المقبل، وأن المأساة اليونانية تقترب من نهايتها ، فالأموال التي تقدم لها لن تسعفها ، لأن الاقتصاد اليوناني مثقل بالديون وليست له القدرة على المنافسة. الخروج من اليورو في رأيه هو أفضل السبل بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوربي والبنك المركزي الأوربي. العودة للـ «دراهما» ستؤدي الى تراجع حاد في الأسعار بسبب ضعف قيمتها ، ما يعني عودة اليونان الى التنافسية والنمو».

لكن هناك في أروقة السياسة والدبلوماسي حسابات أخرى. ففي اللقاء الذي جرى بين الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ، تعهد الاثنان على دعم الخطة التي رسمت لليونان نهاية العام الماضي ، والتي تلزم اليونان بتنفيذ سياسة خفض النفقات الحكومية ، وسداد جزء من أصل دينها العام ، وأن تبقى عضوا في اليورو. وبحسب ما اتفق عليه في اجتماع وزراء المالية لدول الاتحاد الأوربي في وقت سابق من هذا العام فسيتم التساهل معها في حالة تخلفها عن دفع أقساط الديون. المشكلة التي تواجه نظام اليورو لا يمكن اختزالها بالحالة اليونانية ، فهي أكبر وأكثر تعقيدا منها بكثير. ولا يعقل ألا يدرك الفرنسيون والألمان أن البناء الذي أشادوه في السبعينيات يتعرض اليوم للاهتزاز. وليس هذا فحسب ، بل أن بلدانا أخرى تقف حاليا على حافة منطقة اليورو ، لها نفس المشاكل التي تعاني منها اليونان ، ولا ترى مخرجا غير القفز من النافذة قبل انهيار المبنى وتختفي تحت أنقاضه.

اليونان لحد كتابة هذه السطور لم تصرح بشيء مثل هذا الذي يصرح به المحللون الاقتصاديون ، فهل حقا تنوي البقاء والوفاء بكل التزاماتها المالية تجاه الدائنين والمتبرعين إن وجدوا، وتستمر بتنفيذ سياسة التقشف التي أسقطت لحد اليوم أربع حكومات، والخامسة في الطريق بعد اجراء الانتخابات العامة قريبا. وإذا ما خرجت اليونان من اليورو فمالذي يبقي إسبانيا والبرتغال وأيرلندا وايطاليا وقبرص فيه؟ مهندس نظام اليورو جاك تولوز قال مرة : «إن الاتحاد الأوربي كالدراجة الهوائية إذا لم تندفع متحركة للأمام فإنها ستهوي على أحد الجانبين.» التحرك للأمام إذاً يعبر عن الحياة والفاعلية والتقدم ، فليس من خيار أمام اليونان ورفيقاتها الأوربيات غير الحركة ، القفز من النافذة قبل فوات الأوان. لكن المشكلة اليونانية ليست بهذه البساطة.

فالدول الأوربية قلقة ليس بسبب ما يواجه اليونان من مصاعب اقتصادية واجتماعية ، وإنما لخشيتهم من انتقال ما يحدث هناك غلى بلدانهم. وهذا ماعبر عنه بصراحة تامة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ، ويشاطره الرأي نفسه مارفن كينغ محافظ البنك المركزي البريطاني عشية توجههما إلى الولايات المتحدة للمشاركة في مؤتمر قمة دول الثماني بمبادرة ومشاركة الرئيس أوباما. مختصر ما قاله السيد كاميرون موجهاً كلامه لقادة دول منطقة اليورو : « إنهم ليس فقط لم يفعلوا مافيه الكفاية، بل عندما يحاولون حل المشاكل فإنهم يرتكبون الأخطاء. الخطر المحدق لن يتوقف عند اليونان ، إنه سيشمل بلدانا مثل البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وهي بلدان أكبر بكثير من اليونان ويعني هذا كارثة على أوربا. أما الأخطر من ذلك كله فهو تضرر النمو الاقتصادي في بريطانيا وما ينتج عنه من بطالة وإطالة لأمد الركود الاقتصادي فيها»

لكن لماذا كل هذا العناء لترميم بناء آيل إلى الانهيار؟

• علي الأسدي