لبنان: إلى التوتير در!

لبنان: إلى التوتير در!

احتار البعض في تفسير مرض العاهل السعودي واضطراره للعلاج والنقاهة كل هذا الوقت في الولايات المتحدة، بعدما كان الحديث عن قرب إشهار بنود المبادرة السعودية- السورية بشأن الوضع في لبنان وتلافياً مسبقاً لمفاعيل ما يسمى بـ«القرار الاتهامي»، قد أصبح متداولاً على ألسنة ومنابر فريقي 14 و8 آذار، خصوصاً بعد بعض التصريحات الفرنسية التي أوحت بإمكانية الوصول إلى حل ما في لبنان «يرضي جميع الأطراف»!.

بقي الخطاب السياسي يرتكز على ما أسلفنا أعلاه إلى أن أبلغت وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الحريري والملك السعودي في نيويورك صراحةً بـ«أن الولايات المتحدة لن تقبل على الإطلاق أي حل يسبق صدور القرار الاتهامي»!.

.. وإذا كان تصريح كلينتون يفسر «لغز» وجود العاهل السعودي كل هذه الفترة في بلاد العم سام، حيث تحول مركز نقاهته في نيويورك إلى قاعة اجتماعات واستقبال وإجراء محادثات وضغوط بهدف التراجع رسمياً عن «المسعى السعودي- السوري»، فإن التجارب علمتنا أن النظام في السعودية- بغض النظر عن شخصية الجالس على العرش- لا يخرج مطلقاً عن طوع وإملاءات الإدارة الأمريكية ومراكز اتخاذ القرار في واشنطن! وكل ما قامت به السعودية بعد نجاح الضغوط الأمريكية هو اعتذار هاتفي لسورية عن عدم إمكان تطبيق ما التزمت به السعودية لجهة التسوية فيما يتعلق بالملف اللبناني- بحسب جريدة الأخبار اللبنانية في 12/1/2011!.

وكذا طفح الكيل، ما اضطر المعارضة في لبنان إلى استقالة وزرائها من الحكومة بعد أن أيقنت بعدم جدوى «طولة البال» في حين أن الطرف الآخر يعمل- وفق النصائح الأمريكية- على تقطيع الوقت ريثما يصدر «القرار الاتهامي» وإبقاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وسيلةً رئيسيةً لتفجير الفتنة في المجتمع اللبناني وانتظار الوقت الملائم لشن عدوان جديد ضد المقاومة والشعب اللبناني وقواه الوطنية كافة، والضغط على سورية، دون استثناء القيام بعدوان عسكري ضدها.

إن من يستثني فرضية الدور الإسرائيلي في جريمة اغتيال الحريري وسلسلة الاغتيالات اللاحقة لا يمكن الوثوق لا في وطنيته ولا في مشاركته في الحكم، خصوصاً بعد انكشاف الشبكات الجاسوسية في لبنان وصولاً إلى السيطرة على قطاع الاتصالات اللبناني منذ أمد بعيد.

وفي الوقت ذاته، يؤخذ على المعارضة في لبنان أنها استهلكت وقتاً كبيراً في الجدال مع فريق 14 آذار دون الاهتمام اللازم بمصالح الفقراء من الشعب اللبناني، وخصوصاً أولئك المحكومين بنفوذ طواغيت المال الحريري وحلفائه الذين بسياساتهم الليبرالية المتوحشة ليس فقط سيطروا على وسط بيروت بالترغيب والترهيب، بل راكموا أكثر من ستين مليار دولار ديوناً على الشعب اللبناني ذهب أكثره إلى جيوب الطبقة السياسية الفاسدة وحلفائها من التجار الكبار المحليين والأجانب.

إن الاستفادة من التجارب المريرة للتسويات في لبنان تقتضي من المعارضة عدم الوقوع في مثل هذا «الفخ» مرةً أخرى.

إن ميزان القوى اليوم في لبنان، خصوصاً بعد صمود وانتصار المقاومة في حرب تموز 2006 يفرض على المعارضة السير إلى الأمام، لأن التحالف الإمبريالي- الصهيوني والرجعي العربي لا هدف له أكبر من ضرب المقاومة في كل مكان، بالترغيب والترهيب واستمرار نهج التفتيت وتسعير الصراعات المذهبية والطائفية ليس في لبنان وحسب، بل في كل بلدان المنطقة. ولا يجوز اعتبار ما يجري في فلسطين والعراق والسودان واليمن ومصر وتونس والجزائر اليوم على اختلاف مسبباته وأطرافه ومفاعيله، مفصولاً عما يخططه الأعداء في لبنان.

ومن هنا نكرر ما قلناه وأصبح واضحاً إن النظام الرسمي العربي ليس نصيراً لشعوبنا، بل تابعاً لمخططات التحالف الإمبريالي الصهيوني.

وبالمقابل، هناك فرصة تاريخية أمام المقاومة والقوى الوطنية الجذرية في لبنان ليس فقط لإبطال وإنهاء كل مفاعيل قيام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمسيطر على قرارها وأهدافها من واشنطن وتل أبيب، بل لتعمق وجودها أكثر بين فقراء وكادحي الشعب اللبناني، ولاستعادة حقوقهم من ناهبيها والاستعداد للمواجهة المرتقبة مع العدو الصهيوني.

إن التغيير الحقيقي في لبنان مرهون ليس فقط باستمرار الالتزام بخيار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، بل بترابط المهام الوطنية والاجتماعية- الاقتصادية والديمقراطية، والتي في جوهرها هي الترجمة الحقيقية لشعار: المقاومة الشاملة وعلى كل الأصعدة.

 

آخر تعديل على الجمعة, 11 نيسان/أبريل 2014 18:35