إرهاب أبيض
من الواضح أنّ يارد لي لاوبنر الذي اغتال القاضي الفدرالي جون إم رول وخمسةً آخرين وحاول اغتيال النائبة الديمقراطية عن ولاية أريزونا غابرييل جيفوردز كان مختلاً عقلياً. لكنّ الأفكار السياسية الكامنة خلف اختلاله كانت أفكار اليمين الأمريكي المتطرّف.
كان لاونر يتحرّك سياسياً مع أنّه لا ينتمي إلى ذلك اليمين.
قيل إنّه صاح بأسماء ضحاياه، مثل رول وجيفورد، أثناء إطلاقه النار.
وكما هي العادة، حين يقوم شخصٌ أبيض بفعل مثل هذه الأمور، لا تطلق عليها وسائل الإعلام الجماهيرية تسمية إرهاب. من جانبٍ آخر، ربّما كان لاونر (لا يسعنا حتّى الآن أن نقول إلاّ «ربّما») ليبرالياً في المدرسة الثانوية قبل سنوات.
إن كان ذلك صحيحاً، فقد تغيّر. كانت لاشرعية «الدستور الثاني» من بين المشاغل التي سيطرت عليه وهو ينتقل إلى الجناح اليميني، «الدستور الثاني» (أي التعديل الرابع عشر، الذي يمنح المواطنة لكلّ الذين ولدوا في الولايات المتحدة، البند الذي حاول أعضاء الجناح اليميني في ولاية أريزونا إسقاطه على مستوى الولاية).
كما أنّ لاونر اعتقد أنّ التمويل الفدرالي لكلّيته كان غير دستوري، وقد دفعته هذه المسألة للارتماء في أحضان العنف.
منذ عهدٍ قريب، تحدّث بصخبٍ عن فقدان معيار الذهب، فكرة الجناح اليميني.
ومن الواضح أنّه شارك الجناح اليميني في أريزونا الافتتان بالأسلحة النارية. وقيل إنّ الشابّ المختلّ الذي كانت له مناوشاتٌ مع القانون تمكّن من الحصول على مسدّسٍ آلي.
قيل إنّه يتعاطى الماريغوانا، لكن لا صلة لذلك بأفكاره السياسية. قد يكون متناغماً مع شكلٍ من أشكال مناهضة الحكومة، ليبرالية الجناح اليميني.
لا أظنّ أنّه يجب علينا أن نأخذ على محمل الجدّ قائمة الكتب التي قيل إنّه يميل إليها، بوصفها موجِّهاً لتفكيره السياسي.
قد تكون مجرّد مجموعةٍ منتزعةٍ عشوائياً من قائمة الكتب الشهيرة المتوفّرة على شبكة الإنترنت، طالما أنّ الاختيارات متنافرة.
من الواضح أنّ ما أثار غضب شريف مقاطعة بيما كلارنس دانبيك، الرجل الذي انشغل بلاوغنر بعد اعتقاله، ما سمعه من القاتل:
«حين تنظر إلى مختلّين، كيف يردّون على الانتقادات اللاذعة التي تنطق بها أفواهٌ بعينها حول تفكيك الحكومة، الغضب، الكراهية، التعصّب... يصبح الوضع غير محتمل... ولسوء الحظ، أصبحت أريزونا، على ما أعتقد، ضرباً من ضروب قمّة ذلك كلّه. أصبحنا قبلة التحامل والتعصّب».
حين ساعدت جيفوردز على تشريع قانون الرعاية الصحّية، وفقاً لسوزي كيم، «شجّع المتطرّفون الجمهور لاحقاً على قذف الآجرّ على نوافذ المشرّعين». اضطرّت جيفوردز مرّةً إلى استدعاء الشرطة حين لوّح أحد المتجمهرين ببندقيّة.
اشتكت جيفوردز في مقابلةٍ مع MSNBC من أنّ رسماً لسارة بالين قد صوّر منطقتها داخل دائرة تصويب منظار بندقية...
«عليهم أن يدركوا أنّ هنالك عواقب لذلك»، وقالت: «ارتفعت حدّة الخطابات ارتفاعاً لا يصدّق».
المقابل الآخر للقلق من إطلاق النار على جيفوردز هو أنّ لاونر كان في الأشهر الأخيرة يقول عن الحكومة الفيدرالية أموراً تشبه ما تقوله حركة «حفلة الشاي».
خلقت اللغة العنيفة، من قبيل «التصفية»، «التصويب على» (كما في ملصق بالين المذكور آنفاً)، «الاسترداد»، «الانتزاع»، والتي غالباً ما يلجأ إليها أعضاء تلك الحركة، مناخاً انفعالياً يتسّرب بسهولةٍ إلى لاوعي المختلّين عقلياً... تلك هي وجهة نظر دانبيك.
هنالك على ما يبدو مؤشّرٌ على أنّ للاونر شريكاً، وسوف يسلّط اعتقاله وما يتعلّق بهويّته مزيداً من الضوء على دوافع المذبحة السياسية. هل يختفي وراء لاونر راسبوتين ما؟
بطريقةٍ ما، يوازي انعطاف لاونر نحو أفكار اليمين الأمريكي المتطرّف ما حدث لمايكل إنرايت الذي نحر حنجرة سائق سيارة أجرة بنغلاديشي في ذروة حملةٍ لإشاعة كراهية المسلمين انطلقت في الصيف والخريف الماضيين وقادها ريك لازيو وروبرت مردوخ.
كان علينا جميعاً أن نتعلّم من تلك المأساة ما مفاده أنّ للخطابات الحماسية عواقبها الوخيمة. مدوّنو اليمين الذين يريدون صرف الأنظار عن لاونر بوصفه مجرّد مختلٍّ ليسوا سوى منافقين، طالما أنّهم لا يريدون على نحوٍ مشابهٍ صرف الأنظار عن مسلمين من الواضح أنّهم مختلّون ويتحوّلون إلى العنف مثل من يطلق عليهم تسمية «وطني» في الولايات المتحدة.
(زكريا موسوي على سبيل المثال لا يمتلك كامل قواه العقلية، وإلقاء اللوم على الإسلام بسببه أمرٌ بالغ الغرابة).
حقيقة الأمر أنّ المختلين من كلا الجانبين، المسلمين اليمنيين والأمريكيين اليمينيين، تنتابهم أعراض القلق المرضي عينها، من حكومةٍ قويّةٍ في واشنطن تقوّض تصوّراتهم المحلّية عن الحياة الأمثل.
ترجمة قاسيون