عودة الوعي الطبقي عندما تلحظ انعدام المساواة في الولايات المتحدة لا يمكنك تحاشي الصراع الطبقي
ذات يوم وفي ساعة ما، ذكرت محطة ««NPR الأمريكية الكلمة التي تبدأ بحرف الطاء، على الهواء مباشرة. مش معقول، «طبقة»!! نعم!! تلك المفردة الدالة على ذاك النوع من المواضيع المحرم تناولها: الطبقات الاجتماعية – الاقتصادية وكيفية تحديدها مصير ملايين الأمريكيين.
ترجمة: موفق إسماعيل
تطمس لغتنا الدارجة التقسيمات الطبقية الحقيقية الوجود في بلادنا إلى حد العواقب الوخيمة بل الساحقة. فمصطلح «الطبقة الوسطى» توسع استخدامه في الولايات المتحدة لدرجة أنه أصبح يشمل الجميع تقريباً، فيما يتم تفادي استخدام مصطلح «الطبقة العاملة» (إذ يبدو مغرقاً في الماركسية!). حتى شعارات متظاهري «حركة احتلوا» وهتافات المحتجين الـ 99% كثيراً ما تطمس ذاك التنوع وتخلو من التعبير عن تلك التقسيمات بين جماهير الـ 99%.
الموقع الطبقي، بالطبع، يطال تأثيره كل شي: الحصول على الرعاية الصحية، التعليم، مكان سكن المرء، أي مطاعم يرتاد، نوعية غذائه، وظيفته، دخله، ضرائبه، تكلفة قروضه، ومن يتزوج ومتى، من يقاتل ويموت في سبيل الوطن، وغيرها من شؤون الحياة. ولكن مع هيام وسائل إعلامنا المحلية بالحديث عن الجندر والعرق والتجمعات الأثنية، يبدو أن «الطبقة» هي الصفة الأكثر طمساً في بنية الظلم الاجتماعي الساري في البلد. إنما، في شهر تشرين الثاني الفائت، شذت محطة ميشيغان الإذاعية بالتعاون مع ««NPR لتذيع سلسلة من إحدى عشرة حلقة بعنوان «ثقافة الطبقة» لتخطف خلفاً ما خفي من الظلم وانعدام المساواة في كهوف الولايات المتحدة الأمريكية.
ولنبدأ بالنظام القانوني. يقول المراسل ليستر غراهام في تقريره «ربما لا يتجلى واضحاً الاختلاف الطبقي في الحياة بمثل وضوحه عندما يتهم الإنسان بارتكاب جريمة ما». فإذا كان سليل الشريحة العليا من الطبقة الوسطى، أو الوسطى فعلياً يستطيع أن يوكل محامياً، وبقدر ما يزداد ثراؤه تتعدد أمامه الخيارات. أما إذا كان شخصاً من ذوي الدخل المنخفض واتكل على محامٍ عام، فلابد أنه سيخرج مغبوناً، خاصة في ميشيغان، الولاية ذات الترتيب 44 بين الولايات، من حيث تمويل الدفاع القانوني العمومي.
كما أشار التقرير إلى أنه في ولاية ديترويت، يوجد خمسة محامين عامين يعملون بدوام جزئي ويتولون ما يصل إلى سبعة أضعاف المعدل الوطني العام ويقوم به عادة محامون عامون بدوام كامل، وبالتالي يصرف كل منهم ما يعادل 32 دقيقة فقط على كل قضية يتسلمونها. ثم يمثـّل غراهام هذه الإحصائيات بشخصية عامة «ديفيد تاكر» الذي لم يجد محاميه العام وقتاً للتحضير لمحاكمته. وما النتيجة؟ فقد تاكر أربع سنوات من حياته قضاها في السجن قبل أن يعاد النظر في حكم إدانته مؤخراً.
وحول المواضيع المتعلقة بالخدمة العسكرية، لا بد من تذكيرنا دوماً، ومن خلال إذاعة ميشيغان، أننا نخوض حرباً منذ عشرة أعوام، وأنه يتعين على الناس أن تتقدم لملء استمارات التطوع، بعيداً عن حب الوطن طبعاً. فالكثيرون يتقدمون لأنهم لا يجدون عملاً، خاصة في ميشيغان. وماذا بعد تسريحهم؟ معدل البطالة بين من سبق لهم الخدمة يتجاوز الـ 13%، وأعلى من ذلك بالنسبة لمجندي ما قبل أحداث أيلول.
كما أننا نحب الاعتقاد بأن سجن المدين هو إرث من مخلفات القرن التاسع عشر. لكنه ليس كذلك بالنسبة للمهمشين أو لمن هم في الدرك الأسفل. فماذا لو كنت مـُقعداَ أو فاقداً لعملك لسبب ما ولديك طفل تعيله ولا تستطيع؟ إحدى الأمهات التي وجدت نفسها في مثل هذا الوضع تم إلقاؤها في السجن لمدة 43 يوماً إلى أن تمكن مشروع الدفاع عن الأبرياء، واتحاد الحريات الأمريكي من إطلاق سراحها!!
الكشف عن التمييز العنصري في قطاع السكن، (وخصوصاً تخطي الخطوط الحمر حيث ترفض البنوك إقراض المال لذوي الدخول المحدودة والمتدنية من شاغلي البيوت المقيمين في أحياء السود) جعل ذلك النوع من التمييز قانونياً، رغم أنه ما يزال موجوداً. أما التمييز على أساس الانتماء الطبقي فقانوني تماماً ويمارس على نطاق واسع. فأصحاب الدخل المتدني هم الذين يضطرون للعيش قرب مكبات المعامل والأبخرة المنبعثة منها، ومكبات النفايات ومحارقها، بكل ما يعنيه العيش إلى جوار معامل الصناعات الثقيلة من تكلفة صحية ودوائية. إحدى النساء المقيمات في جنوب غرب ديترويت أحصت سبعة عشر من جيرانها أرداهم السرطان.
وفي الحقيقة، أشار التقرير إلى أنه في حين يتراجع التمييز العنصري في السكن، بسبب انهيار المجتمعات المغلقة من جهة وبسبب مصادرات البيوت المرهونة من جهة أخرى، يتزايد وضوح التمييز على أساس الانتماء الطبقي. وعن وجود مؤشرات أخرى، يشير التقرير إلى أنه «في هذه الأيام، وفي العديد من المناطق، يتقارب الناس على أساس تقارب مداخيلهم، وتعادل مساحات منازلهم، وتماثل موديلات سياراتهم وحتى تطابق الاهتمامات. ولا يختلطون مع أبناء الطبقات الأخرى ولا يتفاعلون معهم. ودون هذا النوع من التفاعل لا يوجد أي أساس حتى لمجرد التعاطف مع ذاك الآخر».
ورغم أن سلسلة «ثقافة الطبقة» كانت تنطلق من اعتبار الطبقات جزءاً ضرورياً مكوناً وداعماً لبنية المجتمع برمته. أتخيل كم سيكون الأمر مثيراً لو أن بقية وسائل الإعلام تحذو حذو هذه المحطة وتأخذ على محمل الجد غضب متظاهري «حركة احتلوا» وتبدأ بإظهار هذه الموضوعة المكتومة وعواقبها وبدائلها الحياتية!!