احتلال كبرى الشركات!!
ريتشارد دي. وولف ريتشارد دي. وولف

احتلال كبرى الشركات!!

 تخيل سلوكاً ديموقراطياً بديلاً عن طريقة اقتلاع خيام حركة «# لنحتل» (رمز المربع يعني «أولاً»– قاسيون) وطرد المتظاهرين في مدن وبلدات الولايات المتحدة الأمريكية كافة! ماذا لو أن قرار الإخلاء أو عدمه قد اتخذ من خلال استفتاء شعبي؟ أما كان المصوتون سيقررون متابعة النقاشات الجماعية التي أطلقها وواصلها المعتصمون في المخيمات، حول ما تأخر طرحه كثيراً من مواضيع عامة، كاللامساواة والرأسمالية وانعدام العدالة؟؟ بلى.

 

ترجمة: موفق إسماعيل

لكن أمراً كهذا لم يسبق له أن حدث في بلدٍ شركاته العملاقة تملك المنتزهات والعقارات وكل المساحات الفارغة الممكن احتلالها. فمالكو أسهم تلك المواقع ومجالس إدارتها، الذين لا يشكلون سوى أقلية من السكان، يقتلعون أي اعتصام باستخدام «حقوق الملكية». تلك الأقلية الضئيلة لم ترغب يوماً بقيام نقاش وطني يـُسائل سلطتها أو يدقق في ثرائها الفاحش. فالملكية الخاصة مكـّنت أقلية الـ1% من الاستحواذ على ثروة ومدخول يجعلانها قادرة، بغض النظر عما تريده أغلبية الـ99% من الناس، على اتخاذ قرارات تؤثر على الجميع.

وهو ما حدث في جميع الأماكن «العامة» التي شغلها المحتجون، حيث قلة من السياسيين يقررون الإخلاء وبالمبررات نفسها. ففي مدينة نيويورك، على سبيل المثال، رئيس البلدية الملياردير الذي اشترى طريقه إلى عالم السياسة والسلطة تباهى علناً بـ سلطتـ«ـه» التي تخوله إجلاء منتزه «زوكوتي» من المحتجين. وفي معظم الحالات الأخرى، اتخذ السياسيون المحليون، المعتمدون على تبرعات الشركات العملاقة ووسائل الإعلام المملوكة من قِبلهم، قرارات مماثلة، ولا عجب في ذلك طبعاً.

وأظهرت استطلاعات الرأي استمرار تعاطف أغلبية الأميركيين مع حركة «# لنحتل وول ستريت»، ومع أهدافها الأساسية الطامحة إلى معالجة تفاوت توزيع الثروة والدخل والسلطة في مجتمعنا. فتوزيع النظام الرأسمالي للثروة مكـّن الـ1% من حكم تلك الغالبية والتحكم بها.

الحل لهذا الحرمان من الديمقراطية هو احتلال الشركات العملاقة. من جهة أولى منطقية، العمال يحتلون تلقائياً كل شركة يعملون فيها. ويشكلون الأغلبية داخل كل شركة، في حين يشكل مجلس إدارتها أقلية صغيرة ويشكل كبار مالكي الأسهم أقلية أخرى. ومن جهة أخرى، إذا ما احتل العمال الشركة العملاقة بمعنى «دمقرطتها»، فإنهم بذلك يحولون المنشآت الرأسمالية إلى مؤسسات ديمقراطية، منشآت إدارة ذاتية عمالية، حيث يتولى مجموع العمال (كومونة مكان العمل) ديمقراطياً، اتخاذ كل القرارات التي كانت حكراً على مجالس مالكي الشركة وكبار مالكي أسهمها ومدرائها. وعندها يستطيع العمال أن يقرروا كيف ينتجون، وأين، وكيف يتصرفون بالأرباح. كما يكون بمقدورهم التعاون مع قاطني التجمعات السكنية المجاورة والتفاعل معهم من أجل بناء مجتمع أكثر ديمقراطية مما هو قائم حالياً بما لا يقاس. إضافة إلى أن منشأة إدارة ذاتية كهذه كانت ستدرس إمكانية اتخاذ قرار ديمقراطي بخصوص مخيمات حركة «# لنحتل»، أو ربما تـُجري الاستفتاء إياه.

إذا ما تحولت الشركات العملاقة إلى منشآت ذاتية الإدارة، سوف تتغير طبيعة أي قرارات أخرى وكذلك ستتغير كيفية اتخاذها عما هو سائد اليوم. مثلاً، لن يدفع العمال لقلة من زملائهم من عمال الإدارة الذاتية مبالغ إضافية على حساب الآخرين، مما يعني تقليصاً حاداً لتفاوت توزيع الثروات الفردية الذي يتسبب بالفساد السياسي وإفساد السياسة. وفوق ذلك، ما كان قيام إدارة ذاتية للعمال ليوقف زيادة الأجور الحقيقية إبان ارتفاع الإنتاجية المطرد في الولايات المتحدة منذ السبعينيات، مما سمح لمجموعة من مجالس المدراء في المؤسسات الرأسمالية ومالكي أسهمها بالثراء الممنوع عن العمال. ولو أن الأجور الحقيقية ارتفعت باطراد بعد السبعينيات (كما كان يحصل في القرن الأسبق) لـَما تضخمت ديون العمال ورهوناتهم العقارية إلى هذا الحد الهائل، منذ تلك الحقبة. ولكن هذا النوع من الأخبار لا يسعد بنوكاً خاصة متعملقة تصدر بطاقات الائتمان وصكوك الرهن، لأنها تخدّم بشكل أفضل مصالح الطبقة العاملة الغارقة في مستنقع ديون لا تطاق. علاوة على أن «احتلوا الشركات العملاقة» يبدو حلاً مناسباً للأزمة الاقتصادية التي تدمر البلد والعالم، وتجعل من «تلاشي الطبقة الوسطى» تعبيراً شائعاً، كما تثير مزيداً من الصراعات الاجتماعية والسياسية.

فالأزمة الحالية للرأسمالية تتطلب معالجة مختلفة عن معالجة أزمة «الكساد الكبير» في الثلاثينيات، حين الإصلاح والقوننة (بما في ذلك فرض الضرائب العالية على الشركات والأغنياء) كانا العلاج المفضل آنذاك. وحيث نزل ملايين الأمريكيين إلى الشوارع وصالات النقابات منظمين حملات ناجحة لتغيير سياسة الرئيس روزفلت وربحوا «عقداً جديداً» يتضمن الإصلاح والقوننة متغلبين بذلك على مقاومة الشركات الكبرى. إنما، وطيلة نصف القرن الفائت، استخدمت مجالس إدارات الشركات العملاقة وكبار مالكي الأسهم كل الثروات المتجمعة بين أيديها، والسلطة التي يشترونها بهذه الثروات، لإبطال مفاعيل «العقد الجديد». وأثبت الليبراليون ويسار الحزب الديمقراطي عجزهم وعدم رغبتهم بمنع الشركات العملاقة من تحقيق هذا الهدف.

لو أننا نجحنا باحتلال الشركات العملاقة قبل عقود، وأعدنا تنظيمها كتعاونيات يديرها عمالها ديمقراطياً، لما تمكنت تلك الشركات من إبطال الإصلاحات والقوانين التي جاهد الكثير من الناس في سبيل تطبيقها منذ الثلاثينيات. والدرس الذي نستطيع استخلاصه من إبطال العقد الجديد هو: لا يمكننا التعامل مع الانهيار الرأسمالي الجاري حالياً من خلال حزمة من إصلاحات وقوانين دون تغيير طريقة إدارة المنشآت والشركات. لأننا إذا تركناها كما هي فسنلوم أنفسنا ثانية ونحن نشاهدها تعيد إبطال مفاعيل الإصلاحات من جديد، إنما بشكل أسرع هذه المرة لأن الشركات راكمت الكثير من الخبرات منذ الثلاثينيات وحتى اليوم. العبرة في الدرس المستمد من صراع الأمريكيين المؤلم مع الرأسمالية وهزاتها يمكن اختزالها بعبارة «لنحتل الشركات العملاقة ونجعلها ديمقراطية».