«غرف العمليات» بين طرازين: أمريكي وسوري..

«غرف العمليات» بين طرازين: أمريكي وسوري..

إذا تجاوزنا افتراضاً الخبر الأول في وسائل الإعلام العربية والعالمية حول الوضع في سورية، سنكون أمام حزمة من الأخبار شديدة التعقيد والتنوع والتناقض أحياناً، ولكنها دون أدنى شك تشكل خلفية ذات أهمية قصوى لفهم ما يجري في سورية وحولها من صراع، وماهية السيناريوهات المطروحة ليس لحل الأزمة السورية، بل لتحقيق السيطرة الأمريكية- الإسرائيلية على المنطقة بما فيها سورية، وبمساعدة قادة دول الاعتلال العربي، والتي لم تكن يوماً إلاّ أدوات بأيدي من أوجدها كأنظمة منذ منتصف القرن الماضي.

• في الدوحة تم الإعلان عن فتح مكتب رسمي لحركة طالبان الأفغانية لإعطاء ما تجريه من مفاوضات وصلات مع الديبلوماسيين والأمنيين الغربيين «شرعية» مدروسة، وقد تكون مطلوبة، لمرحلة ما بعد «نظام كرزاي»، والذي لن يكون بالنسبة للغرب أهم من الجنرالين ضياء الحق وبيرويز مشرف في باكستان.

• ما أن أعلن عن استكمال الانسحاب الأمريكي من العراق، حتى جرى تفجير قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، والتي انشغلت بها كل القوى السياسية العراقية التي جاءت مع قوات الاحتلال ولم تزل مرتبطة بمخططات الاحتلال الأمريكي الذي أبقى على قوى لا تقل عن خمسين ألف أمريكي بين موظفي السفارة (ستة عشر ألفاً) وخبراء التدريب العسكري لقطعات الجيش العراقي، بالإضافة إلى عشرة آلاف مستخدم أمني في شركات الحماية الأمنية الخاصة.

• تهيئة الأردن لتنفيذ مهمة جديدة، وإن على عجل، حيث عقد في عمان اجتماع لممثلي الرباعية الدولية وسارعت السلطة الفلسطينية إلى إرسال صائب عريقات للقاء ممثل الحكومة الإسرائيلية بإشراف أردني ليس للمفاوضات بل للتفاوض على شكل المفاوضات اللاحق، ولا شك أن ما صرّح به وزير الخارجية الأردني حول الولاية الكاملة للأردن على سير المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، يؤكد أن النظام الهاشمي والسلطة الفلسطينية والرجعية العربية عموماً، لا هدف أمامهم جميعاً أكبر من ضرب خيار المقاومة سواء في فلسطين المحتلة أو خارجها.

• قبل قدوم سيئ الذكر جيفري فيلتمان إلى المنطقة ليقود غرفة عمليات جديدة، ضد سورية هذه المرة، تعالت وتكثفت التصريحات الأمريكية والفرنسية ضد سورية بشأن عمل فريق المراقبين العرب، دون حتى انتظار التقرير الأولي الذي سيرفعه الفريق مصطفى الدابي إلى وزراء لجنة الجامعة يوم السبت 7/1/2012 عن عمل مراقبي الجامعة، وما هي تقديراتهم للوضع في سورية.

• ها هي حاملة الطائرات الروسية «كوزندتسوف» تقترب من الشواطئ السورية، وما دلالة ذلك على اتجاه الموقف الروسي إزاء محاولات تدويل الأزمة السورية، وبالمقابل المناورات العسكرية لسلاح البحرية في إيران وعلاقة ذلك بالتهديدات الأمريكية- الأطلسية لإيران عسكرياً أو بالحصار الاقتصادي، وكيف كان الرد الإيراني والرد الأمريكي المضاد إعلامياً للآن.

• المأزق التركي الداخلي والمجازر التي ارتكبها سلاح الجو التركي ضد المدنيين الأكراد، وانعكاس ذلك على الوضع السياسي والأمني داخل تركيا نفسها، وكيف سيكون شكل الدور التركي لاحقاً إزاء سورية بعد افتضاح دور حكومة أردوغان في خدمة المخططات الأمريكية في المنطقة.

أمام هذا القدر من تعقيدات المشهد السياسي والعملياتي في المنطقة، وداخل بلدنا سورية، يجب ألا يتوهمن أحد بأن التحالف الإمبريالي- الصهيوني- الرجعي العربي سيوقف من محاولاته الرامية لتفتيت سورية وبشكل مركب من الخارج والداخل، ولذلك لا نرى مخرجاً إلاّ بقيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة بحيث تكون «غرفة عمليات مضادة» قادرةً على مواجهة ثلاثة أخطار مترابطة وهي: أولاً، الاستعداد للدفاع عن الوطن وحماية الوحدة الوطنية ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، وثانياً تعبئة قوى المجتمع الحية ضد خطر الفتنة الداخلية، وثالثاً اجتثاث قوى الفساد التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه وما زالت تعيق التوصل إلى مخرج آمن من الأزمة.