العراق: إحدى الدكتاتوريتين.. أم نظام وطني؟
أجمعت الكتل السياسية الحاكمة الثلاث، (التحالف الوطني ـ الوطنية العراقية ـ التحالف الكردستاني)، على أن العراق يتجه نحو حكم دكتاتوري جديد، على أنقاض الحكم الدكتاتوري الساقط بالاحتلال
تتهم جميع هذه القوى نوري المالكي وحزبه، حزب «الدعوة»، في العمل على إعادة العراق إلى نظام حكم «الدكتاتورـ العائلةـ الحزب القائد». ولم يخرج عن هذا التوصيف سوى كتلة «دولة القانون»، التي يرأسها نوري المالكي نفسه، وهي جزء من كتلة التحالف الوطني. علماً أن هذه الكتل الثلاث، أما تكون قد تمزقت وتشتت إلى كتل متعددة متصارعة فيما بينها، كالوطنية العراقية، أو تعاني صراعاً مريراً وتمزقات داخلية، منذرة بانفجار قد يصل حد استخدام السلاح، كالتحالف الكردستاني، أو وحدة شكلية وانقسام فعلي، كالتحالف الوطني.
ولعل المفارقة هي أن جميع هذه الكتل تشكو من تسلط حزب مهيمن وزعيم دكتاتور، في الوقت الذي تحارب فيه «دكتاتورية المالكي وحزبه» على مستوى المركز. قد يكون من المفهوم أن تنبري وسائل الإعلام الممولة والمملوكة من قبل هذه الكتل الثلاث، لتخوض المعارك الدعائية لمصلحة مالكيها، إلا أن غير المفهوم، أن تنجرف مجموعات من المثقفين والناشطين المدنيين في الانحياز لهذه الكتلة أو تلك. ونحن لا نتحدث هنا عن الانتهازيين، الذين يسطرون المقالات اليومية المنحازة لهذه الدكتاتورية الطائفية، أو تلك الدكتاتورية الإثنية، فهؤلاء يمارسون مهنة قد اعتادوها مذ كانوا يهتفون للدكتاتور صدام، وبعضهم امتهنها في زمن المعارضة للتعيش على أمراضها المتأصلة فيها، كالإقصاء والتفرد والتعامل مع الدول الامبريالية وأجهزة مخابرات الدول الإقليمية. ولعل أكثر هذه الفئات الانتهازية فقاعة، تلك التي تتاجر بالتقدمية واليسارية والشيوعية.
لم تكن زلة لسان ولا تجنياً، أن يقيم بريمير، الحاكم الأمريكي للعراق أعضاء مجلس الحكم: «هؤلاء الناس لا يستطيعون تنظيم مهرجان، فكيف بإدارة بلاد». ولم يكن اختيارهم ناتجاً عن خطأ، كما يروج الجهلة لكوارث الاحتلال ووصفها بـ «أخطاء» الأمريكان، كقرار حل الجيش العراقي على سبيل المثال لا الحصر، وإنما هي سياسية مدروسة وفق مبدأ الفوضى الخلاقة الذي حُدد هدفه الاستراتيجي: الوصول إلى تفتيت العراق. وكان هؤلاء يتمتعون بكل مواصفات «الكريهون أصدقاؤنا خونة بلدانهم»، حسب تعريف المخابرات الأمريكية الرسمي للمتعاملين معها على حساب مصالح بلدانهم الوطنية
وبما أن جميع هذه الكتل مشاركة في السلطة والحكومة والبرلمان، وفق اتفاق المحاصصة الذي رعاه السفيران الأمريكي والإيراني، عقب انتخابات 2010، فهي تتحمل المسؤولية الجماعية على ما آلت إليه أوضاع البلاد الكارثية من جهة، ومن الجهة الأخرى، ما هي في الواقع السياسي والاجتماعي، لما بعد 9 نيسان 2003، سوى دكتاتوريات طائفية، تمثِّل طبقة طفيلية ناهبة للثروات الوطنية ومتعاملة مع الإمبريالية الأمريكية حتى اللحظة الراهنة. فهي حكماً فاقدة للشرعية الوطنية التي تؤهلها للحديث عن إقامة النظام الوطني الديمقراطي، المعبر عن تطلعات الشعب العراقي بكل أطيافه الإنسانية وتاريخه الوطني المجيد والحضاري العظيم.
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي