وقائع اقتصادية في مصر.. تنشد التغيير

وقائع اقتصادية في مصر.. تنشد التغيير

«سأجعل من مصر سويسرا العرب»، قد يبدو الشعار الذي رفعه الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، براقاً في استحضاره للنموذج «المتقدم» في نظر بعض العرب. وبغض النظر عن ذلك، فهل تشير الأرقام الاقتصادية الخاصة بمصر إلى نهوضٍ حقيقي في الاقتصاد هناك؟

النمو والتنمية في مصر

يكمن العيب الرئيسي للاقتصاد المصري في اعتماده على قطاع الخدمات لتحقيق النمو الاقتصادي. حيث يساهم قطاع الخدمات غير المنتج لقيمة مضافة حقيقية بحوالي 51% من إجمالي الناتج المحلي، فقطاع الاتصالات المصري يسهم بـ 4.5% من الناتج، غير أنه لا يشغل سوى 192 ألف عامل، ولا يساهم بأكثر من 13 مليار جنية لخزينة الدولة. بينما تقدر مساهمة الصناعة المصرية بـ %17.2 من إجمالي الناتج، وتشغِّل حوالي 2 مليون عامل. أما الزراعة التي تساهم بـ 14% من إجمالي الناتج، فإنها تسهم في تشغيل 31%  من القوى العاملة المصرية التي يقدر عددها بـ 27 مليون عامل.
يلاحظ فيما سبق، أن استثماراً أقل في الصناعة والزراعة يشغِّل عدداً أكبر من العاملين، ويوفر أمناً غذائياً وصناعياً، مقارنةً بقطاع الاتصالات الذي يستثمر أكثر، لكنه لا يوفر فرص عمل يمكن مقارنتها بالصناعة والزراعة. وعليه يبقى 4 ملايين مُعطَّلين عن العمل.
تتراوح أرقام النمو الحالية  بين 3 و4%، وهذا الرقم من النمو لا يمكن أن يحقق هدف التنمية المنشود، فنمو الناتج المحلي بهذا المقدار لا يمكن أن يضاعف الناتج قبل 25 سنة، ووفقاً للضرورات المصرية يجب تحقيق أهداف التنمية خلال 7 سنوات، من خلال تغيير المنطلق الاقتصادي والاعتماد على الصناعة والزراعة كقاطرة نمو، ومضاعفة الاستثمارات فيها، والابتعاد عن القروض الخارجية التي تستهلك 25% من إيرادات الخزينة. وأيضاً، عن طريق رفع عائدية الجنيه المصري الذي يحقق الآن عائدية بنسبة 11% فقط، بينما المطلوب مضاعفته ثلاث مرات، بالاعتماد على الميزات المطلقة والنسبية. ويجب على الحكومة المصرية تمويل هذه العملية من موارد الفساد التي تقدَّر، حتى عام 2008، بحوالي 57 مليار دولار أمريكي.

الأزمات العميقة ودور الدولة

لقد أقر في مصر تطبيق الحد الأدنى للأجور، ليصل إلى 171 دولاراً. أما الحد الأدنى للمعيشة، لعائلة من خمسة أشخاص، يقدَّر بحوالي 300 دولاراً، مما يضع شرائح تصل إلى 25% من السكان تحت خط الفقر، وأكثر من 10% من السكان تحت خط الفقر المدقع. وإن مشكلة رفع الحد الأدنى للأجور، دون أن يقابلها زيادة حقيقية في البضائع والمنتجات، تؤدي إلى ارتفاع مؤشر التضخم الذي بلغ السنة الماضية 14%. وعند معدلات نمو بحدود 3%، يجد 13% من المصريين أنفسهم مُعطَّلين عن العمل.
متأثرة بالمد الليبرالي الواسع، تخلت الدولة عن قيادة دفة الاقتصاد، لمصلحة القطاع الخاص المصري الذي لم يستطع تحقيق أهداف التنمية. بينما أدى تراجع الدولة عن الاستثمار إلى تراجعٍ كبير في مستويات النمو، ففي عهد الدولة التدخلية، كان الاقتصاد المصري ينمو بنسبٍ تصل إلى 8%، ووقتها لم يكن للقطاع الخاص ذلك الدور.
بينما الآن، ومن خلال العودة إلى ميزانية العام 2013، نجد أن الإنفاق على الاستثمار الحكومي بلغ 55 مليون جنية مصري، أي ما نسبته 8.7% من إجمالي الإنفاق العام بالميزانية البالغ قدره 635 مليون جنيه. بينما تشكل الأجور نسبة 21%، والإنفاق على الدين 22%، ونفقات استهلاكية مثل الدعم والمنح 145 مليون جنيه. وهذه ميزانية استهلاكية بجدارة، حيث مازال المشرِّع والسياسيون المصريون مصرين على التراجع بدور الدولة، رغم فشل السياسات الليبرالية بتحقيق حلم السادات بالعسل والجنة.