خيار المقاومة يوصل إلى الدولة الفلسطينية
منذ أشهر اشتد الجدال داخل الأوساط الفلسطينية والعربية حول جدوى وضرورة توجه السلطة الفلسطينية إلى الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة لتأمين الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة..
يترافق هذا الجدل في حديه الموافق والمعترض مع إيراد الدول المؤيدة لقيام الدولة، وعلى الجهة الأخرى يجري التذكير بالموقف الأمريكي والأوروبي– الأطلسي المعارض، والذي يهدد السلطة الفلسطينية بمختلف أنواع العقوبات إن هي أقدمت على ذلك.
ليس هناك سابقة في التاريخ أن شعباً احتلت أرضه استطاع نيل الاستقلال بالتفاوض دون أن يكون التفاوض مستنداً إلى مقاومة شاملة بكل مستوياتها تجبر قوى الاحتلال بالدرجة الأولى على الاعتراف بحق تقرير المصير، والاستقلال للشعب الذي احتلت أرضه..
وبالعودة إلى تجربة الشعب الفلسطيني منذ دخول الانتداب الانكليزي إلى فلسطين، كان التجمع الاستيطاني الصهيوني يتوسع ويتنامى في فلسطين أثناء مراحل توقف المقاومة والدخول في المساومة، والتفاوض على أيدي قيادات هي بالأصل صنيعة الاحتلال، أو مقربة منه، ولا تؤمن بخيار المقاومة. ومن نافل القول إن المشروع الصهيوني هو بالأساس مشروع عنصري- استيطاني إحلالي كان هدفه الأكبر اقتلاع شعب فلسطين من أرضه بالقوة، ومن هنا لا يمكن التعاطي معه إلا بالمقاومة الشاملة لإفشاله وهزيمته..
إذا كنا لسنا الآن بصدد تذكير القارئ بالانجازات الكبرى التي حققتها المقاومة الفلسطينية بدماء شهدائها وتضحيات جماهيرها وصبرها الأسطوري، فإننا نذكر فقط بمخاطر إقدام القيادة الفلسطينية الرسمية على الاعتراف بالكيان الصهيوني نتيجة «اتفاقات أوسلو» دون أي مقابل حقيقي، حيث وصل «كرم» تلك القيادة المدعومة من النظام الرسمي العربي إلى حد وقف المقاومة الفلسطينية بحجج ما أنزل الله بها من سلطان، وصولاً إلى «سابقة التنسيق الأمني» بين أجهزة السلطة المستحدثة وأجهزة الكيان الصهيوني الأمنية تحت عنوان «وقف الإرهاب»..
وكان من نتائج تلك المؤامرة ليس تدمير كل ما أنجزته المقاومة وفككت بناها التنظيمية فحسب بل اتساع رقعة الاحتلال وتهويد الأرض وبناء مئات المستوطنات الجديدة وتقطيع أوصال الضفة الغربية إلى ثلاثة كانتونات رئيسية بعد بناء جدار الفصل العنصري والذي بلغ طوله المتعرج مئات الكيلو مترات مع إقامة أكثر من ستمائة حاجز عسكري على مساحة الضفة المحتلة والبالغة خمسة آلاف وخمسمائة كيلو متر مربع..
من نافل القول، إن هناك ضرورة للاستفادة من كل الوسائل في الصراع مع العدو الصهيوني بما فيها كسب الرأي العام العالمي وتأمين دعم أكبر عدد من دول العالم لمصلحة تأمين حقوق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ولكن كل هذا لن يتحقق إلا باستمرار خيار المقاومة كأولوية وطنية عليها تنخرط في موجباتها أغلب جماهير الشعب التي تعرف عدوها جيداً وترفض أي شكل من أشكال التفريط بالحقوق الوطنية، وهي لم ترفع يوماً إلا رايات الكفاح الوطني والتمسك بتراب الوطن..
عند الحديث عن الذهاب إلى الأمم المتحدة لتأمين الاعتراف بالدولة الفلسطينية يتجاهل أصحاب هذا الرأي أن تلك المنظمة اتخذت أكثر من مائتي قرار بشأن القضية الفلسطينية من القرار 181 في عام 1947 وحتى يومنا هذا. كما تجاهل المتحمسون للتوجه نحو الجمعية العامة أن قرار مجلس الأمن 425 الخاص بلبنان لم يجد طريقه للتنفيذ إلا بالمقاومة بعد أكثر من عقدين من اتخاذه..
في الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، وازدياد العدوانية الامبريالية الأمريكية وحليفتها إسرائيل الصهيونية تجاه شعوب المنطقة، هناك من يستمر في خداع الشعب الفلسطيني بإمكانية حصوله على حقوقه بما فيها حق إقامة دولته المستقلة دون مقاومة، بل بالطرق الدبلوماسية، وبالاعتماد على ما يسمى بالمجتمع الدولي، والذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون، وقد رأت شعوب العالم ما جلبوه من «ديمقراطية وحقوق الإنسان» بأفغانستان والعراق وباكستان والصومال وموريتانيا وليبيا مؤخراً!!
إن من راهن على الأمم المتحدة في الظرف الدولي الراهن هم كمن يحرث البحر، وفي الحالة الفلسطينية يجب إعادة الاعتبار لخيار المقاومة الشاملة، والخروج نهائياً من أوهام وجود أي سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال الذي يفرض على أكبر مسؤول رسمي فلسطيني طلب السماح بالمرور عند أصغر حاجز عسكري إسرائيلي على مداخل المدن والقرى والأحياء الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة..