«التيبت».. وتاريخ الدم والعبودية(1/2)..
«ذكورهم وإناثهم وحتى ذرّيتهم.. ليكونوا كالبيض إذ يتكسّر على الصخر.. لا أثر لهم ولا حتى أسماءهم».. هذا جزء مما جاء في رسالة توضيحية عام 1660 من الـ«دالاي لاما» الخامس إلى قائد الجيش المغولي المكلّف والمدفوع له من معبد «ديبونغ» حول كيفية التعامل مع كهنة وتابعي طائفة «كارمابّا» البوذية... سلطة الـ«دالاي لاما» أو معبد «ديبونغ» هي السلطة الحاكمة اليوم في التيبت..!
في كل ما سمعناه عن التيبت، وما قد نجده في بحثنا عبر الإنترنت والأفلام والبرامج التلفزيونية تسيطر صورة الكاهن الروحاني ذو الابتسامة اللطيفة وحوله مزارعون بسيطون يجولون المكان بخفة ورضاء، لم ينكّد هناء عيشهم في كنف «الكارما» والـ«دالاي لاما» إلا «الاحتلال الصيني الشيوعي» ذو المقاصد المادية الدنيوية الدنيئة..!
تاريخ من الصراع الدموي!
لكن التاريخ المكتوب للبوذية والتيبت يختلف تماماً عمّا تخبرنا إيّاه هوليوود ووثائقيات الـB.B.C الراوية الأبرز لتلك الروايات. فالبوذية التي تتعدد طوائفها ومدارسها لطالما شهدت حروباً بين الطوائف أو المدارس أو حتى المعابد في صراع على سلطة «المعرفة الأزلية» و«تعاليم السلام الداخلي»..! في سيرلانكا هناك قصة تاريخ أسطوري كاملة وسجلات شبه مقدّسة عن الحروب المقدّسة التي شنّها «ملوك الطوائف» البوذيين على كل من هم غير بوذيين عبر القرون الماضية وحتى السبعينيات من القرن الماضي، وآخرها المعارك المسلّحة بين البوذيين السنهاليين والهندوس التاميل التي أودت بأرواح الآلاف من الطرفين.
وخلال القرن ذاته شهدت كل من تايلند وبورما وكوريا واليابان والهند وغيرها الكثير صدامات ومعارك عنيفة جداً بين البوذيين وبين الأديان الأخرى. في كوريا الجنوبية عام 1998 نشبت صدامات بين آلاف الرهبان البوذيين من «تنظيم شوغيي» الأكبر في البلد، الصدامات امتدت لأسبوعين واستخدمت فيها الأيدي والعصي والسكاكين والقنابل اليدوية، والسبب هو الصراع على قيادة التنظيم الذي تبلغ ميزانيته السنوية 9.2 مليون دولار، وتمنحه الحكومة أفضلية تعيين 1700 راهب في مختلف المراكز الحكومية..!
حقائق عن حكم الإقطاع
التيبت المنعزل.. الصوفي والملجأ للزاهدين بالحياة لا يختلف أبداً عن هذا الواقع المشين بحق، وفي مقال لـ«مايكل بارنتي» بعنوان «الإقطاعية المسالمة: خرافة التيبت» نجد العديد من الحقائق المسنودة بشواهد وتواريخ، ويمدنا الكاتب بكم كبير من المصادر منها التاريخية ومنها المعاصر الحديث، والتي سنحاول تكثيف ما فيها من معلومات عن التيبت:
- عبر التاريخ تصارعت «قبائل» التيبت وطوائفها البوذية على الأراضي والأملاك، وفي القرن الثالث عشر الميلادي أوجد الإمبراطور الصيني «كبلاي خان» منصب الـ«لاما الأكبر» لينصّب راهباً لكل الرهبان وزعيماً للتيبت، وفي القرن التاسع عشر ميلادي أرسل الإمبراطور الصيني في حينه الجيش لدعم الـ«اللاما الأكبر» أمام أعدائه من باقي الزعماء البوذيين، وبعد انتصار الجيش الصيني على أعدائه نصّب ذلك الـ«اللاما الأكبر» نفسه قائداً للتيبت كلياً وأعلن اسم الـ«دالاي لاما»- التي تعني اللاما الكبير بحجم كل المحيطات- وكان تابعاً للإمبراطور الصيني.
- السخرية التاريخية أن سلطة الـ«دالاي لاما» أُوجدت وصنعت من الصينيين وتحديداً عبر الجيش الصيني الجرار، وهذا كان قبل حوالي المئة عام!!.
يتبع...