الديمقراطية الأمريكية: «علمٌ ودستور ومجلس أمة.. كلٌّ عن المعنى الصحيح محرف»
فوجئ تجار «ديمقراطية» الدبابة الأمريكية في العراق بانفجار الثورات الشعبية العربية المليونية وإطاحتها الأنظمة القمعية التابعة الفاسدة، التي برهنت على صواب الرؤية المعرفية الثورية القائلة بأن ثورات الشعوب حتمية تاريخية، وإن دخل الشعب المعركة السياسية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن إعادته إلى الوراء أبداً، فيصبح صاحب القرار في الميادين والشوارع وفي صندوق الاقتراع
قدمت الثورات الشعبية في مصر وتونس دستوراً وطنياً ديمقراطياُ يحافظ على الهوية الوطنية وسيادة الأوطان ويفتتح الطريق واسعاً نحو التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية .
فأُسقِطَ بأيديهم، بعد أن روج الكثيرون لأكذوبة «استحالة التغيير الوطني الديمقراطي الداخلي والتعويل على «المنقذ» الأمريكي طريقاً وحيداً للتغيير».
«ديمقراطية» الاحتلال!
تكشفت «ديمقراطية» الأمريكي في العراق عن نظام دكتاتورية الإقطاعيات الطائفية ودستور تقسيمي ملغم بـ 50 مادة مختلف عليها بهدف إشعال الصراعات وأدامتها وتوسيع نطاقها وصولاً إلى تحقيق الهدف الإمبريالي-الصهيوني في تقسيم العراق، مما أدى إلى التفريط بالوحدة الوطنية ونهب ثروات البلاد وإفقار العباد.
أما انتخاباتهم فلم تكن سوى أكذوبة كبرى فلم يحصل في انتخابات العام 2010 على «القاسم الانتخابي» سوى 18 نائباً من مجموع 325، الأمر الذي يعني سيطرة دكتاتورية لرؤساء القوائم على البرلمان، ناهيكم عن تصويت ملايين البسطاء تحت سوط التهديدات الدينية.
حراك اجتماعي ضد النهب
اليوم، تتصاعد الحركة الشعبية وتتوسع دائرتها. فتظاهرة عمال نفط الجنوب بالألاف، واعتصامات طلابية في الجامعات، وتظاهرات القطاع الصحي، وحركة احتجاج في الإقليم نتيجة التأخر في تشكيل الحكومة المحلية وعدم دفع رواتب الموظفين، وهجرة عشرات الآلاف من الأنبار بسبب القتال، واستمرار التظاهرات من بغداد حتى البصرة المطالبة بإلغاء تقاعد البرلمان وامتيازات الرئاسات الثلاث التي تسرق 21% من الميزانية العراقية. بينما تعيش الكتل الثلاث الطائفية الحاكمة حالة صراع مكشوف على النفود والأموال حداً عرقل إقرار ميزانية 2014 وسط تحذيرات من محاولة لإفشال إجراء الانتخابات وإشاعة جو من الذعر بين المواطنيين عن خطة لداعش لإسقاط حكومة المنطقة الخضراء والسيطرة على بغداد.
فساد الكتل السياسية الحاكمة
تتمزق هذه الكتل الحاكمة اليوم من داخلها على وقع صفقات الفساد والعمليات العسكرية ضد الإرهاب في المنطقة الغربية والصراع بين المركز والإقليم بشأن تصدير النفط العراقي الذي وصل تركيا بأسعار السوق السوداء. علماً أن تركيا قد رفضت إقراض الإقليم بضمانة النفط وطالبت القيادات الكردية سحب ملياراتهم الشخصية المودعة في البنوك السويسرية. إن الخطاب السياسي للكتل السياسية الحاكمة الثلاث عبر وسائل الاعلام، خصوصاً الفضائيات المملوكة لها، يعتمد نهجاً ديماغوجياً في الدعاية والدعاية المضادة لتكريس المصطلحات والتسميات التفتيتية التي أطلقها «جو بايدن» في مشروعه التقسيمي، ومن ثم تغييب ما هو مشترك، ولا سيّما الطابع الوطني العراقي والهوية الوطنية العراقية.
إن كل ذلك استوجب تصدي القوى اليسارية والوطنية الديمقراطية، رغم إمكانياتها الإعلامية المحدودة، لهذا الخطاب وفضحه، والتمسك بالثوابت الطبقية والوطنية والعربية والأممية التي تعبر عن الخيار الثوري لإسقاط الأنظمة الفاشية والطريق الوطني للتحرر من التبعية للإمبريالية العالمية وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية والمتضامنة مع الشعوب المضطهدة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني الشقيق في مسيرة الكفاح المشترك.
إن لسان حال الشعب العراقي اليوم يردد اليوم قول الشاعر العراقي معروف الرصافي إبان فترة الاستعمار البريطاني: «علمٌ ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف».
صباح الموسوي* : منسق التيار اليساري الوطني العراقي