ملامح الصراع داخل البيت السعودي
تلجأ الولايات المتحدة لاستخدام سياسة «الدفع من الخلف» خاصة في السلطات السياسية والإدارية لدى الأنظمة العربية التي تهيمن عليها بشكلٍ مباشر. فعندما لا يمكنها التخلّص من الواجهة السياسية بشكلٍ مباشر، تقوم بدفع التناقضات الداخلية إلى السطح، والتحكم بها عبر أجهزتها، بما يخدم مصالحها.
هذا ما ظهر واضحاً في المثال القطري، وما ترتب عليه من ضرورة سياسية متمثلة بتنحية حمد بن جاسم الأب، وتنصيب حمد الابن عوضاً عنه. وتلاه المشهد السعودي، لكن بكثير من الحذر.
لا إصلاحات/ إذعان للخارج
اليوم، وفي سياق استمرار التراجع الحاصل في صفوف الإمبريالية العالمية، يجري في السعودية تظهير لخلاف سعودي ـ سعودي، لم يتم تسليط الضوء عليه سابقاً. وتلخَّص هذا الخلاف في تراشق أمراء آل سعود التهم والانتقادات حول المسؤولية عن التراجع في القضايا الاقتصادية ـ الاجتماعية داخلياً خاصة بعد ظهور احتجاجات على مدار السنتين الماضيتين في المناطق الشرقية الأكثر فقراً وتهميشاً. كما يدور جدل في الغرف المغلقة حول سياسة الحكومة الداعمة للتيارات التكفيرية، في بلدان ما يسمى «الربيع العربي».
شهدت المملكة مؤخراً اعتقال عددٍ من المثقفين والإصلاحيين، والبعض من ضباط القوات المسلحة، بعد أن قاموا باتهام بندر بن سلطان، وكلٍّ من وزير الداخلية والخارجية، بتنفيذ مخططات أمريكا والغرب، وبأنهم يقودون البلاد نحو الهاوية. حيث نقل أحد المواقع الالكترونية السعودية عن أوساطٍ معارضة قولها: «إن ممارسات هذه الترويكا تعرِّض المصلحة السعودية للخطر، وتضع البلاد تحت سيطرة بندر، ونفوذ أشقائه، على حساب المصلحة العامة».
وفي سياق موازٍ جاء العديد من تصريحات الجهات الدينية، كمفتي المملكة لتتحدث عن تحريم الجهاد في سورية، كما جاء القرار الملكي القاضي بتجريم كل من يخرج للجهاد خارج البلاد كخطوة تدل على العديد من الأمور أبرزها:
-إذعان المملكة للضغوط الدولية المتمخضة عن مؤتمر جينيف2 لوقف التدخل الخارجي بسورية.
-إضافة إلى أنها تعكس تناقضاً ما، داخل الأسرة الحاكمة، فبالتوزي مع القرار الملكي حول تجريم الجهاد في سورية، تحدثت العديد من الأوساط السياسية والإعلامية عن غياب بندر بن سلطان وسفره للولايات المتحدة في رحلة علاجية يراها البعض أنها ستكون خاتمة لدوره السياسي الذي أسهم في إشعال المنطقة في العقد الماضي.
إيران فوبيا
يبرز أيضاً، كعامل من عوامل تفاعل التناقضات الداخلية والخارجية، خوف الأسرة الحاكمة على نفسها من فكرة «التقارب» الإيراني- الأمريكي، بعد تراجع الولايات المتحدة عن مواقفها حول الملف النووي الإيراني، فبدا هناك خلاف أمريكي سعودي بخصوص الكثير من القضايا، مثل الموقف من مصر والأزمة السورية.
لا تنتج هذه التناقضات حتى اللحظة تداعيات دراماتيكية داخل المملكة، فالولايات المتحدة لن ترضى بالتخلي عن أهم مراكز القوة لديها، وهي مستودع النفط، وقاعدتها العسكرية الأساسية في الشرق الأوسط. لكن يتحتم عليها تغيير واجهتها السياسية الحالية، بعد التوازنات الدولية الجديدة، وكذلك إيجاد نظام بديل عن النظام المتشدد السعودي يتلاءم مع مفاهيم «الحريات والديمقراطيات» الفضفاضة، التي أطلقتها أمريكا في مشروعها «الشرق الأوسط الجديد».