اتفاقيات التجارة الأمريكية في العالم الثالث
ليس عصياً على وسائل إعلام الشركات أن تجعلنا نعتقد بأن البلاد تشهد انتعاشاً اقتصادياً. في ظلِّ اقتراب موعد الانتخابات النصفية، فإن الرئيس الأمريكي يشيد بعدد الوظائف التي خُلقت، ويتحدث، بتفاؤل، عن مستقبل أمريكا الاقتصادي. إن المستقبل مشرق بالفعل، ولكن فقط إذا كنت من بين الـ 1% الأكثر ثراءً من السكان.
ترجمة: هزار محمود
على سبيل المثال، ومنذ الركود الذي عاشته البلاد في عام 2007، الذي يعدُّ الأزمة الأضخم للرأسمالية خلال 75 سنة، تزداد أرباح الشركات، وتسجِّل رواتب ومكافآت المدراء التنفيذيين مستوياتً قياسية، كما تشهد سوق الأوراق المالية انتعاشاً كبيراً. وعلى النقيض من ذلك، فإن أجور العمال تعاني حالة من الجمود منذ أكثر من أربعة عقود. والأرباح إما إنها شحيحة أو غير موجودة، والعمال مرهونون بالدَّين الذي يرغمهم على ممارسة مهن متنوعة، إذا استطاعوا إيجادها، وذلك لكي يتمكنوا من الاستمرار.
حتى أصحاب الشهادات الجامعية، يجدون صعوبة في إيجاد الوظائف التي تؤمن ضماناً طويل الأمد وأجراً للعيش. ومع محاولات ضبط التضخم، فإن حال العمال اليوم هو أسوأ مما كانت عليه في أواخر ستينيات القرن الماضي.
من هم المستفيدون من هذا «الانتعاش» الاقتصادي؟
حسب المتنبئ الاقتصادي، جيرالد سيلينت، فإن 90 % من الوظائف، التي أحدثت في عام 2013، كانت وظائف بوقتٍ جزئي، ومعظمها بأجورٍ منخفضة، وبدون تقديم أية فوائد. فقرض الطالب يتجاوز 1،1 مليار دولار، وهو رقم يفوق قدرة البطاقة الائتمانية المدمجة للدولة. وليس بالإمكان تفريغ هذه الديون من خلال الإفلاس. فالشركات والمصارف الكبرى، التي تدعم الحملات السياسية، لا تخضع لمثل هذه القيود.
كذلك فإن أرقام وبيانات البطالة غير حقيقية. وحسب آخر إحصاءات الحكومة، فإن البطالة بلغت حوالي 6،7 %. في الحقيقة، إن هذا الرقم من المحتمل أن يقارب 17 أو 18%، وذلك وفقاً للاقتصادي، ريتشارد وولف. يعدُّ تطبيق اتفاقيات التجارة الحرة أحد أهم أسباب مواجهتنا مستقبلاً اقتصادياً بائساً.
الاتفاقية الجديدة: اقتصاد عالم ثالث
الآن، ومع عودة هيمنة مجموعات الضغط «اللوبي» على الشركات، فإن اتفاقية تجارة حرة أخرى (اتفاقية شراكة النقل في الباسيفيك) قد تم تعقبها بسرعة من الكونغرس. حيث يعمل كل من الجمهوريين والديمقراطيين بحماسة على إعادة التشريع.
وإذا ما تم سنها، فإنها ستسمح للشركات الخاصة أن يكون لها الهيمنة على حكومات دول ذات سيادة. على سبيل المثال، إذا ما أرادت ولاية غرب فرجينيا أن تحرم استخدام فول الصويا المعدلة وراثياً، فباستطاعة شركة «مونسانتو» إما أن تلغي القرار، أو تعمل على الابتزاز بمليارات من الدولارات، كتعويض عن الخسارة المفتعلة في العائدات. تعمل اتفاقيات التجارة الحرة، وبشكل عدائي، على وضع أرباح الشركات، كأولوية قبل الاحتياجات الشرعية للشعب ورفاهية المحيط الحيوي. إن التأثيرات على الطلاب والطبقة العاملة ستكون غاية في السوء. مئات الآلاف من المهن ستختفي من البلاد، والأجور ستنخفض مرة أخرى، كما أننا سوف نفقد الاستقلالية في الحكم، وسيشهد سوق العمل نهاية مأساوية. فاتفاقيات التجارة هي الوسائل التي من خلالها ستحوِّل النخبة الحاكمة اقتصاد الولايات المتحدة إلى اقتصاد عالم ثالث.