أوكرانيا.. متنفساً للغرب المأزوم
تفتح القوى العالمية الرئيسة، المتراجع منها (أمريكا وأوروبا)، والصاعد منها كمجوعة البريكس، معاركها الكبرى في نقاط اشتباك مختلفة حول العالم، وكل فريق يريد تسجيل نقاط أكبر، من أجل صياغة خريطة عالمية جديدة.
يهاجم الفريق الأول من موقع الدفاع، للخروج بأقل الخسائر الممكنة، بينما يمتص الثاني فورة القوى المتراجعة، وأحياناً يهاجم، من أجل الحصول على خريطة عالمية جديدة، تعكس موازين القوى العالمية الجديدة. وتشكِّل أوكرانيا إحدى نقاط الاشتباك العالمية، ولكلِّ فريقٍ أدواته واختراقاته ونقاط قوة وضعف، في قلب الدولة المثقلة بالأزمات والديون والمشاكل.
الغرب يتدخل لحل أزماته الداخلية
تعيش أوكرانيا أزمة داخلية كبرى، فبعد حملات الخصخصة التي شهدتها البلاد، بهدف الحصول على تمويلٍ لخفض عجوزات الميزانية، التي بدأت في العام 2007، في عهد الرئيس الحالي، فكتور يوشنكو، للحصول على عشرة مليارات دولار. فتم عرض شركة «أوكرتيلكوم» للبيع، واستحوذت عليها شركة «تيليكوم» الألمانية، إضافة لمصنع عملاق للصناعات الكيمائية. لكنها لم تنفع، فمع بدء الأزمة الاقتصادية العالمية، خسرت أوكرانيا 20% من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة واحدة. ولتتراجع معدلات النمو، حيث شهدت أوكرانيا انكماشاً عام 2013، وبلغت الديون 78% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما مقداره 137 مليار دولار تقريباً، تسببت هذه السياسيات بانفجار حراكٍ شعبي (أيام الثورة البرتقالية المضادة) بأوكرانيا، استطاعت القوى الغربية حرفه، وتحويله لحراك سياسي منفصل عن القضايا الاقتصادية ــــ الاجتماعية، وتمكّنت من وضع حلفائها من القوى السياسية، متمثلةً بيوليا تموشنكو التي اقتربت من الغرب، ولم تستطع هي الأخرى إخراج أوكرانيا من أزمتها. ليعود بعدها الرئيس الحالي، فيكتور يوشنكو، للسلطة دون أن يستطيع هو الآخر إخراج البلد من أزماتها، مما سمح للقوى الدولية اختراق أوكرانيا، وانتقال مركز الصراع إلى خارجها.
وزن المحورين في أوكرانيا
نقاط القوة الرئيسة لأمريكا وأوروبا، تكمن في قضايا التمويل المالي والاستثمارات، يُضاف إليها أن معظم عمليات الخصخصة استحوذت عليها شركات غربية، حيث تبلغ ديون أوكرانيا لصندوق النقد الدولي 5.6 مليار دولار، تموِّل من خلالها أوكرانيا نفقاتها الاستهلاكية والاستثمارية. هذا الوزن كان له المعادل السياسي، فبعض القوى السياسية الأوكرانية المعارضة، متمثلةً في فيتالي كليتشكو ويفيجتا تيمو شينكو، طالبت خلال مؤتمر ميونخ وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وألمانيا بالتدخل الخارجي المباشر في أوكرانيا. أما الروس، فيرون في الأزمة الأوكرانية تهديداً مباشر لأمنهم القومي، فهم يضغطون بكلِّ وزنهم لخلق مناخ سياسي يفشل الإرادة الغربية في فتح صراع في أوكرانيا، ولهذا السبب قامت روسيا بمجموعة من الإجراءات تهدف لإطفاء فتيل الأزمة، وملء الفراغ الناشئ عن الابتزازات الاقتصادية الغربية في مسألة التمويل والاستثمارات.
مساعدات وتخفيضات وشراء ديون
قدّمت روسيا حزمة من المساعدات الاقتصادية لأوكرانيا، منها تخفيض أسعار الغاز بنسبة 20%، وشراء دفعة من السندات الأوكرانية بقيمة 2 مليار دولار، وسط أحاديث عن شراء حزمة جديدة من السندات قريباً، بحسب وزير التنمية الأوكراني. ويعتبر الغاز من نقاط القوة الروسية في الداخل الأوكراني، حيث بلغت الديون الأوكرانية لروسيا، على مستوى ديون إمدادات الغاز، 2 مليار دولار. وقد رفع الوزن الروسي منسوب التوتر بين القوى السياسية، وزاد من الضغط الغربي، هذا الأمر دفع الجيش الأوكراني، ثاني أكبر جيش في أوروبا، إلى التدخل بقوة، فالأزمة أصبحت تهدِّد الأمن القومي الأوكراني، فأصدر بياناً طالب من خلاله باتخاذ التدابير العاجلة، مؤكداً أن تصعيد حركة الاحتجاج يهدِّد وحدة أراضي أوكرانيا.
سمح عقم القوى السياسية الأوكرانية، وعدم قدرتها على وضع حلولٍ للأزمات المتلاحقة، بانفجار أزمةٍ لن يكون حلها، إلا بالاعتماد على الذات، والتوجه نحو علاقات سياسية واقتصادية دولية جديدة.