خارطة الحل الوطني العراقي لإنقاذ الوطن
حينما عبر «شوارتزكوف» عن كرهه للشعب العراقي بقوله: «أتمنى أنهم يتضورون جوعاً وعطشاً»، كان حكام العراق الجدد يخضعون لدورات تدريبية على يد المخابرات الأمريكية في بودابست وأربيل، للقيام بدور الأدلاء لقوات المارنيز الغازية في بغداد.
وقد شارك هؤلاء «شوارتزكوف» كرههم للشعب العراقي، إذ عبَّر موفق الربيعي، مستشار الأمن الوطني لقوات الاحتلال الأمريكي علانية، وفي مؤتمر صحفي بقوله: «كنا نكره كل شيء في عراق» الدكتاتور صدام حسين، «حتى فريق كرة القدم الذي كنا نبتهج عند خسارته». كما برر الخونة، من الناطقين باسم اليسار زوراً، انخراطهم في تشكيلات الاحتلال، عبر اتهامهم الشعب العراقي بـ «الجهل الذي أصبح معه من المستحيل تغيير النظام دون الأمريكان»!
اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على الاحتلال وحكوماته «المنتخبة»، تتواصل عملية نهب الثروات والتفريط بأرض الوطن ومياهه وتجويع الشعب وقتله، وبالرغم من انسحاب قوات الاحتلال فالهيمنة الأمريكية مستمرة على العراق، سواءً بما يسمى «اتفاق المصالح الاستراتيجي» الذي يضمن تشكيل حكومات تابعة ذليلة، أو بالتدخل المباشر كالذي شهدناه الأسبوع الماضي، عبر استقواء أطراف ما يسمى بالحكومة الاتحادية بعضها ضد البعض الأخر ببايدن، أو قيامه بإصدار أوامره مباشرة لرموز الكتل الطائفية المتصارعة.
إن هذا الصراع آخذ بالتصاعد كلما طالت العملية العسكرية في الأنبار والموصل، وكلما اقترب موعد الانتخابات المزمع إجراؤها في 30 نيسان 2014. وقد ارتفع سقفه حداً طالبت فيه الحكومة المركزية بدمج قوات «البيشمركة» الكردية في الجيش العراقي، رداً على قيام سلطة الإقليم بتصدير النفط العراقي مباشرة إلى تركيا.
قد يكون من المفيد التذكير هنا بموقفنا، كيسار عراقي، من القوى السياسية التي انخرطت في مجلس الحكم سيئ الصيت، الذي عبرت عنه افتتاحية جريدة «اتحاد الشعب»، الصادرة في بغداد بتاريخ 8 تموز 2004، حيث قالت إن: «أمام القوى السياسية العراقية فرصة تاريخية لإعادة رسم سياستها وتصحيحها، خصوصاً في ناحية علاقتها مع المحتل قبل فوات الأوان. إن تشكيل جبهة إنقاذ وطني تضع شروطاً واضحة ومحددة لمغادرة المحتل، والإعداد لانتخابات حرة نزيهة، وتشكيل قوة أمنية لحفظ الأمن في البلاد مهمة عاجلة لا تقبل التأجيل. إن إجراء مفاوضات مع الأمم المتحدة للترتيب لمفاوضات مباشرة مع المحتل الأمريكي، وبإشراف كامل من المجتمع الدولي، لإنهاء الاحتلال بشكل كامل، وليس شكلياً كما يجري اليوم، إن ذلك هو الطريق الممكن للتخلص من الاحتلال، وإقامة النظام الوطني الديمقراطي. إن سياسة التعاون مع المحتل، كما جرى في مجلس الحكم المنحل، ستؤدي في النتيجة إلى فقدان هذه القوى ما تبقى من سمعتها بين أبناء الشعب العراقي، وتحكم على نفسها بالموت».
كان مصير جميع المبادرات، الصادرة عن أطراف الحكم أو الإدارة الأمريكية العدوانية، لا يختلف عن مصير الحلول الترقيعية على مدى عقد من الزمان، وأخرها سقوط ميثاق «الشرف» قبل أن يجف حبره, لأنها ببساطة إعادة محاصصة فاسدة للمواقع والثروات على حساب الشعب العراقي ومصالحه الوطنية.
والمبادرة الوحيدة الواقعية، القادرة على انقاد الوطن من التقسيم والشعب من المجازر والجوع، هي تشكيل مجلس إنقاذ وطني من ممثلي النقابات والجمعيات والاتحادات المهنية والعمال والفلاحين والنساء والمعلمين والمحامين والصحفيين... إلخ، وهم جميعاً منتخبون. يقوم بتشكيل حكومة كفاءات تدير البلاد لمدة عام، وتعتمد دستور ثورة 14 تموز 1958 وعلمها وشعارها، لحين إعداد دستور جديد خلال عام وطرحه على الاستفتاء الوطني، ومن ثم إجراء انتخابات حرة نزيهة تنهي المرحلة الانتقالية وتؤسِّس الدولة الوطنية الديمقراطية.
إنها خارطة الحل الوطني، القادر على نقل البلاد من نظام المحاصصة الطائفية الاثنية الفاسد إلى النظام الوطني الديمقراطي التحرري في جمهورية العدالة الاجتماعية.