اليمن بعد فضاءات مؤتمر الحوار
انتهى الحوار الوطني الشامل في اليمن، ولم تنتهِ أزمته في أدنى حدودها، ورغم «التوافق» الذي تم حول مخرجات الحوار اليمني، كما يسميها اليمنيون، تبقى الأسئلة كثيرة حول ما جرى وسيجري، لكن يبدو أن اختصارها في التساؤل: اليمن اليوم إلى أين؟ هي المقولة ذات الأولوية الأكبر، بالنسبة لليمنيين.
منذ عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن، بدت التفصيلات المعرقلة له هي محور النقاش بين الأطراف التي شاركت في الحوار، إذ تم التركيز على التناقضات الثانوية في الصراع، مثل الصراع الانفصالي بين عشائر الشمال والجنوب، وتغييب الأساسي فيها، وهو التردي الاقتصادي ــ الاجتماعي الذي يعصف بالبلاد منذ زمن طويل، قبل بدء الحراك الشعبي، وجعل البلاد تصنف من بين العشرين دولة الأولى في العالم، من حيث الفقر وغياب التنمية، حسب دراسات سابقة.
جهد إقليمي للالتفاف على اليمنيين
ورغم كل مناجم النفط والغاز والموقع الاستراتيجي الذي يميز اليمن، ورغم الطاقات البشرية الهائلة التي ينام عليها هذا البلد، حاولت الحكومة في هذه المرحلة استثمار التدهور الاقتصادي ـــ الاجتماعي الذي عاشته البلاد لحرف الحراك الجماهيري، الذي جرى هناك. وبناءً عليه استخدمت الاقتصاد اليمني والتردي الأمني وسيلة للالتفاف على موقف الشعب اليمني، وعلى القرار السياسي للمعارضة الشعبية.
وفي الوقت نفسه تمركزت في اليمن، منذ عهد الرئيس السابق، علي عبد الله الصالح، تنظيماتٌ سلفية وجهادية كانت فاعلة في مسار الأزمة اليمنية، ولاعبا على وتر القضية الجنوبية وقضية الحوثيين بحاملها الطائفي، فكان العنف مقابل العنف، وهو ما استدعى من المعارضة السياسية في اليمن مضاعفة الجهود، لكبح جماح الجهات المسلحة في البلاد، بما فيها الحكومية، وكان الحوار الوطني الامتياز الأول الذي استطاع اليمنيون، بمجموعهم، أن يحصلوا عليه بعد مرور أكثر من عامين على انطلاق الحراك.
وبوجود الراعي الإقليمي «دول التعاون الخليجي»، والدولي «مجلس الأمن»، تم الالتفاف الأولي على مسار الحراك، وإقالة الصالح ومن ثم تعيين نائبه عبد ربه، لتبدأ الدورة التالية في الالتفاف على القضية الوطنية والطبقية، وتطويع الحوار الوطني ضد مصالح الشعب اليمني.
الحكومة داخل فقاعة الإعلام
بعد انتهاء الجلسة الأخيرة من المؤتمر، في 22 الجاري، تم إعلان تمديد ولاية الرئيس عبد ربه سنة جديدة. وحسب ما جاء في الوثيقة الختامية، تعطى للرئيس صلاحيات تعديل الدستور وإعادة هيكلة مجلس الشورى وتعديل الحكومة، وهو ما اعتُبر انتصاراً للحكومة، وهلَّلت له وسائل الإعلام الرسمية في اليمن وخارجه، رغم كل التعتيم الذي جرى على مجريات الأزمة سابقاً، بما فيها ترددات فعاليات المؤتمر ذاته، وجرى تجاهل انسحاب فريق الحوثيين من المؤتمر، بعد اغتيال رئيس وفدهم في المؤتمر الحقوقي، أحمد شرف الدين الثلاثاء، في 21 الجاري، في ظروف غامضة ومثيرة للجدل، وخصوصاً أن هذه العملية لم تكن الأولى، حيث تم اغتيال ممثلهم عبد الكريم جدبان، في نوفمبر الماضي، بالظروف نفسها، وكان قرار المعارضين الجنوبيين في ذلك الوقت عدم الانسحاب من المؤتمر، على أمل حل القضايا الوطنية وإطلاق العملية السياسية.
هذا وجرت عمليات الاغتيال، إثر التصعيد الذي جرى بين السلفيين والحوثيين، في ضالع وصعدة وحجة وعمران، وغيرها من المدن اليمنية، والذي جاء ذكره في وسائل الإعلام، بشكل منفصل عن أزمة اليمن العامة، لتبدو القضية شأناً ثانوياً غير ذي أهمية بمسار الصراع.
ورغم أن ما قامت به الحكومة، بمساعدة الراعيين الإقليمي والدولي، لإفشال مطالب الشعب وتطويعها واحتواء الحراك، إلا أن جهود الشعب اليمني وسعيه لإطلاق العملية السياسية، أوقفا الحرب الأهلية، في الوقت الحاضر بأقل تقدير، متجاهلاً كل ما لوحت به الحكومة من عنف ضده، وقد تبدو الصورة كمراوحة في المكان، لكن الواقع أنها تحمل بوادر من النضج السياسي، هي التي يعول عليه في إنقاذ البلاد.