الاستبداد والفساد حليفا الإرهاب في العراق
غيرت أحداث 11/ أيلول/2001، التي ضربت أمريكا في عقر دارها، من تعريف الإرهاب، ونقلته من إرهاب الأنظمة ضد شعوبها التابعة، إلى إرهاب المنظمات المصنَّعة أمريكياً، إبان حربها ضد السوفييت في أفغانستان، و«القاعدة» لاحقاً
جنَّدت أمريكا العالم بأسره لمواجهة هذا الإرهاب، بل وأرهبت كل من يشكك في مصداقية حربها «المقدسة» ضد الإرهاب وفق شعار: «أما أن تكون معنا أو ضدنا». حيث سارت الأنظمة الإرهابية إلى اللحاق بركب قيادة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الصهيوني، لـ «محاربة» الإرهاب وتنفي عن نفسها تهمة دعم الإرهاب، ولاسيما بعد صدور قرارات دولية خطرة من مجلس الأمن الدولي. وكان أخطر ما فيها، عندما أُعطي الحق للدول الإمبريالية في شن حرب استباقية، بزعم وجود خطر وشيك الوقوع أو محتمل.
إن الأنظمة الدكتاتورية الاستبدادية التي عرقلت إمكانية انتقال الثورات الوطنية، التي حررت البلدان العربية من سيطرة الاستعمار المباشر، إلى ثورات وطنية ديمقراطية بأفق اشتراكي، وشنت حملات التصفية الشاملة ضد القوى اليسارية والوطنية الديمقراطية، وأقامت أنظمة ليبرالية متوحشة تابعة، وجهاز دولة فاسد، قد وفر الأرضية الموضوعية لانتشار الحركات الرجعية الإرهابية، واستغلالها للدين سلاحاً إيديولوجياً في مواجهة أنظمة «علمانية» مزعومة، حداً جعل من دكتاتور، مثل صدام حسين، يرتدي رداء الدين، فكانت حملته الإيمانية التي أعادت التعليم والثقافة في البلاد إلى الخلف.
اليوم، يشن نوري المالكي حرباً عالمية على الإرهاب التكفيري، كما يعلن هو في خطابه الرسمي، مدعوماً من أمريكا والأمم المتحدة والجامعة العربية، وسط انقسام سياسي على مستوى السلطة الحاكمة، تطور إلى إعلان الهويات الحقيقية للكتل المكونة للنظام السياسي الفاسد، باعتبارها أذرعاً لدول إقليمية تستقوي بها، وتنفذ إرادتها، وتحافظ على مصالحها، على حساب الشعب العراقي والدولة العراقية، الأذرع الإيرانية والتركية والسعودية، وتُجمع هذه الكتل، وإن اختلفت في الموقف من الحرب على الإرهاب، على قضيتين: الأولى، معاداة الشعب العراقي ومصالحة الوطنية، وارتكاب أبشع الجرائم بحقه. والثانية، هي التبعية للولايات المتحدة الأمريكية، وتوسل رضاها ودعمها، حداً وصل بتجار معارضة الاحتلال، من أمثال «النجيفي» و«المطلك»، ومن لف لفهما، دعوة القيادة الأمريكية إلى إعادة إرسال قواتها إلى العراق.
لقد تم توفير عوامل نشوء بيئة حاضنة، بدءاً من سياسة نظام «الفرد ــــ العائلة ــــ الطائفة» الصدَّامي الاستبدادي، الذي دمَّر البنية التحتية للبلاد، في حروبه الأمريكية الأهداف، وإهداره للثروة والموارد الوطنية وتحويل المجتمع إلى حالة البطالة والتعويق والجهل، مروراً بالاحتلال ومجلس حكمه البرميري، الذي أصاب تركيبة الشعب العراقي في الصميم بأطيافه المتعددة المتآخية تحت الراية الوطنية العراقية، بتقسيمه إلى كانتونات طائفية اثنية، وعمل مجلس الحكم كذلك، تحت أمرة «نغروبونتي»، لإشعال الصراعات المذهبية والإثنية، التي اتخذت طابعاً إقليمياً بعد الاحتلال.
إن نظام الحكم القائم اليوم في العراق لا يختلف، من حيث البنية السياسية والاقتصادية ـــ الاجتماعية، عن الأنظمة الاستبدادية. ولم يقدِّم، على مدى عقد من الزمان، أي حل للمشاكل المستعصية الموروثة عن النظام الاستبدادي المُعاد إنتاجه بالاحتلال، أو الناتجة عن الاحتلال ونظام المحاصصة المقيت. بل عمَّق هذا النظام مشاكل المجتمع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يعد قادراً على الخروج من أزمته، سوى بشن «حرب على الإرهاب»، أو بالعودة مجدداً إلى دست الحكم بانتخابات تفتقد إلى شروط النزاهة والتكافؤ تجرى والبلاد لا تملك قانوناً للأحزاب.
إن الإرهاب المعلن محاربته اليوم في العراق يقصره دعاة محاربته، على تنظيم «القاعدة»، الذراع الصهيوني الموجه لضرب الحركة الشعبية العربية الثورية، الطامحة نحو التغيير التقدمي السلمي، في تجاهل متعمد للإرهاب الذي لا يقل عنه خطورة، والمتمثل بالمليشيات الطائفية والاثنية، التي تسيطر على إمارات طائفية اثنية، تتحكم بحياة الناس اليومية، وترهب المواطنين وتكتم أنفاسهم، وتتعدى على حرياتهم الشخصية، المليشيات التي تشكل العمود الفقري لجهاز الدولة الفاسد. المستورِد لبسكويت الأطفال المنتهي الصلاحية لتسميم أطفال العراق، في إطار نظام ليبرالي ريعي متوحش، جعل العراق مكباً للبضاعة الفاسدة الواردة من كل حدب وصوب.
لم يعد هناك أدنى قدر من الشك من أن الاستبداد والفساد هما حليفا الإرهاب وحاضنته، ولا يمكن للحرب على الإرهاب، أي حرب كانت، وأي لون من ألوان الإرهاب استهدفت، أن تحقق النتيجة المرجوة منها، ما لم تقترن بتحول بنيوي على صعيد النظام السياسي القائم، لمصلحة النظام الوطني الديمقراطي بأفق العدالة الاجتماعية.
صباح الموسوي : منسق التيار اليساري الوطني العراقي