قناة البحار ونبوءة هرتزل! (2/2)
وجد المشروع، «مشروع ربط البحر الميت بالمتوسط»*، فرصة جديدة للظهور بعد مؤتمر مدريد للسلام وانعكاساته على الموقف الأردني، حيث بدأ بحث المشروع بشكل جدي بتاريخ 25/7/1994 بعد إتفاق «وادي عربة» سيئ الذكر، حيث شكلت لجنتان: واحدة لترسيم الحدود، والأخرى لبحث قضايا المياه
وقد أعلنت الأخيرة في آب 1994عن التوصل إلى اتفاق حول إنشاء قناة البحرين والواردة أساساً في ملحقات الاتفاق الثنائي بين الكيانين، ولكن ظل تنفيذ المشروع معطلاً بسبب تعثر المفاوضات على المسارات الأخرى واندلاع الانتفاضة ومعارضة مصر للمشروع الذي يهدد مصالحها في قناة السويس.
على إثر اللقاءات المتعددة التي تمت بين حكومتي الكيانين «الأردني والصهيوني» تم التوافق على أن يطرح خلال قمة الأرض (القمة العالمية للتنمية المستدامة) في جوهانسبرج في سبتمبر 2002 شكل جديد لتنفيذ الفكرة: خط أنابيب وليس حفر قناة من أجل تقليص المعارضة العربية وخفض التكلفة. طرحت الفكرة في إطار مؤتمر دولي للبيئة، من أجل إضفاء أبعاد بيئية تصرف النظر عن الحقائق السياسية والاقتصادية التي يتضمنها المشروع. وقد أكد (شمعون بيريز) أنهم اضطروا إلى تغيير المصطلحات من قناة إلى خط أنابيب تجاوباً مع المستجدات الدولية والإقليمية في قمة الأرض، ومن أجل تخفيف المعارضة ضد المشروع، وخاصة من الدول العربية. في المقابل وجدت سلطة الحكم الإداري الذاتي في رام الله المحتلة نفسها أمام موقف صعب فرضته التفاهمات بين الجانبين كما ظهر في الطرح المشترك لهما في مؤتمر جوهانسبرج، مما دفع بسلطة رام الله لأن تعلن مشاركتها في المشروع لكي تضمن الحفاظ على «حقوقها المشروعة»!، بعد أن تأكد للجميع بأن الأردن والكيان الصهيوني ماضيان نحو التنفيذ بدون مشاركة السلطة. وقد برز التفاهم الثلاثي حول الفكرة/ المشروع، خلال المنتدى الاقتصادي الدولي الذي عقد في الأردن في شهر حزيران/ يونيو 2003.
ذرائع إنقاذ البحر الميت!
ردد عبارات الإنقاذ تلك «شارون وبيريز» في عدة مناسبات من أجل إستدرار عطف المجتمع الدولي وأنصار حماية البيئة. علماً بأن المدمر الحقيقي للبشر والشجر والحجر والبحر، هم الغزاة الصهاينة. إن انخفاض مستوى المياه في البحر (100سم تقريباً) كل عام ليس سببه فقط التبخر، بل تحويل مياه روافد نهر الأردن للاستخدام في مستعمرات ومشاريع المحتلين، مما أدى لانخفاض تدفق المياه في نهر الأردن «كان 1250 مليون م3 في أوائل الخمسينيات من القرن الفائت، إلى 200 مليون م3 الآن، كما أن الصناعات الكيميائية الصهيونية أدت لتبخر حوالي 262 مليون م3 ، حسب الخبير البيئي د.مازن قمصية». لكن تلك الذرائع سرعان ما تتهاوى أمام الفوائد الاستراتيجية الكبرى التي يمكن ذكر بعضها (تأمين المياه لمستعمرات النقب، جلب مستعمرين جدد من خلال تطوير الزراعة ومناطق الاستجمام، الاستفادة من المياه لتبريد المفاعل النووي في ديمونا، تطوير الصناعات الكيمائية).
ناقل المياه
الاتفاق المعلن حول المشروع كما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الصهيونية يشير إلى ضخ حوالي 200 مليون متر مكعب في السنة من خلال أنبوب يبلغ طوله 180 كم، نحو 80 مليون متر مكعب من المياه تتم تحليتها في منشأة تقام في العقبة، تحصل حكومة العدو منها على ما بين 30 و50 مليون متر مكعب لمصلحة مدينة ايلات والعربة. ويحصل الجانب الأردني على 30 مليون متر مكعب لاحتياجاتهم في الجنوب، و 50 مليون متر مكعب صالح من بحيرة طبريا، وتباع المياه لهم بسعر المياه المكررة. وبحسب الصحيفة، فقد طلب الفلسطينيون أن يحصلوا في إطار الخطة على موطئ في شمال البحر الميت، في منطقة عين فشخة، لكن طلبهم جوبه بالرفض. وبحسب الاتفاق، فإنهم سيحصلون على 30 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبريا مياه محلاة أو مكررة بسعر الإنتاج _ إنهم يبيعوننا مياهنا!_، ليحسنوا بذلك توريد المياه لسكان الضفة. كما أن هنالك مشروعات ستنفذ عند مدخل ومخرج الأنبوب على خليج العقبة والبحر الميت من أجل إنشاء بحيرتين سياحيتين.
وكانت عدة مصادر صحفية/إعلامية داخل الكيان قد أشارت إلى أهمية وجود أنبوب نقل المياه داخل الجانب الأردني من الحدود، الأمر الذي تتجاوز فيه اعتراضات أنصار البيئة في داخل الكيان. كما أن تغطية تكلفة مد الأنبوب البالغة مابين 250 و400 مليون دولار ستتم من تبرعات دول مانحة، في حين أبدى البنك الدولي استعداده لتقديم قرض.
أنبوب لـ «السلام» الاقتصادي
مع كل الضخ الإعلامي الذي مارسته أجهزة الإعلام وعدد من الكتّاب، في كيل المديح للرخاء الذي توفره تلك القناه للشعبين: الأردني والفلسطيني، فإن قوى سياسية أبدت نقدها الشديد ومعارضتها، للدخول في إتفاقيات مع المحتل. لكن ما سجلته العديد من المنظمات الأهلية الناشطة ضد نهج «التطبيع» بكل ما يحمله من تناقض واضح مع الحقوق القومية والوطنية، كان الموقف الأبرز في مواجهة خطوات الاستسلام التي تتم في مجالات متعددة.
المنظمات والهيئات الشعبية الفلسطينية، أعلنت في بيانها أن: «المشروع هو محاولة غير مقبولة لإجبار الفلسطينيين بالموافقة على سلب ملكيتهم وتسوية حقوقهم، وبالتالي، فهو يقوض حقوق الفلسطينيين المائية ويضفي الصبغة الشرعية على حرمانهم من ملكيتهم في نهر الأردن. وبالتالي إن إنقاذ البحر الميت سيدمر مشروع الميزات الفريدة للبحر الميت ونظامه البيئي. فمن المقرر تحويل البحر إلى بركة ميتة من مياه البحر الأحمر والأملاح الكثيفة الناتجة من تحلية الأخير الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير هذا الموقع التراثي الفلسطيني والعالمي». كما أصدرت جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية في الأردن بياناً أدانت فيه «الخطوة ببعدها التطبيعي والسياسي...لأن الأساس القانوني لكل هذا التطبيع وإلحاق الأردن بالكيان الصهيوني، هو معاهدة وادي عربة الخيانية، واتفاقية أوسلو الخيانية في حالة السلطة الفلسطينية... إنه مشروعٌ يترافق مع تسريبات ينفيها النظام الأردني عن إقامة منطقة اقتصادية مشتركة، وفيما تهيئ الولايات المتحدة لترتيبات أمنية على الحدود مع الغور، مما يوحي بدور وظيفي للأردن والسلطة الفلسطينية في الإقليم ككل تحت جناح الكيان الصهيوني».
ناقل المياه لن يروي عطش الأرض والإنسان العربي، للماء أو للحرية، بمقدار ما سيوفر لمستعمرات الغزاة، الماء، مما يعني المزيد من جلب مستعمرين جدد، والمزيد من سرقة الأراضي وبناء المستعمرات.