انتخابات «إقليم كردستان» ومصير الفيدرالية في العراق؟
تتداول أوساط المعارضة الكردية (كتلة التغيير وحلفاؤها) فكرة فصل مدينة «السليمانية» العراقية عن «إقليم كردستان»، مما استدعى تهديداً من مسعود البارزاني الذي اعتبر أن «المساس بحدود الإقليم خط أحمر». وباستثناء فيدرالية إقليم شمال العراق، فشلت قوى الطائفية الرجعية في إقامة فيدرالياتها التفتيتية وسط وجنوب وغرب العراق. كما روجت، ولا تزال تروج، للفكرة غير الوطنية القائلة بأن الفيدرالية هي شكل الحكم العادل في العراق، والوصفة السحرية للخلاص من الإرهاب والفساد.
وفي العودة إلى عوامل القوة في بنية المجتمع العراقي، التي حسمت المعركة مع المحتل الأمريكي وطردته من البلاد وحافظت على العراق موحداً، والتي من أهمها: تمسُّك الشعب العراقي بوحدته الوطنية، وإفشاله محاولات إشعال الحروب الطائفية والمذهبية. والوطنية العراقية التي قاومت المحتل بكل الوسائل المشروعة، ولا تزال تناضل من أجل تصفية ذيوله وتأثيراته تصفية نهائية. فإن هذه العوامل (المصِدَّات) الموضوعية الثابتة هي من يحرك المشهد السياسي العراقي الراهن، سواء تمظهر ذلك بالحراك الشعبي السلمي المتصدي للفساد، أو بنتائج انتخابات إقليم شمال العراق، والتي رجحت كفة القوى الداعية إلى التمسك بوحدة الأراضي العراقية، وتحقيق نقلة اجتماعية لمصلحة الشعب العراقي، بكل أطيافه وتلاوينه المتعايشة على مر العصور والزمان في بلاد الرافدين.
وكان يمكن لهذه العوامل الوطنية الموضوعية أن تشكل حاضنة لعملية المصالحة السياسية الوطنية الحقيقية، وفق مبدأ المحاسبة والعدالة والحفاظ على استقلال البلاد وإقامة نظام العدالة الاجتماعية. غير أن عملية المصالحة هذه قد حُرفت عن مضمونها الوطني والإنساني، الذي ابتسر إلى مفهوم ضيق الأفق، هو أن تلقي فصائل المقاومة المسلحة السلاح، وتتعاون مع التيار المهيمن في الحكومة، دون التوجّه إلى العمل المدني والوظيفي وخضوع الجميع لحكم القانون.
وجاءت إجراءات المصالحة الخاصة بحزب «البعث» وفق قانون الاجتثاث، وقانون المساءلة والعدالة لاحقاً، لتزيد من تشوه عملية المصالحة برمتها، وتحولها إلى ميدان للمساومات والصفقات المالية، ومن ثم تحولت إلى سلاح مزدوج، سلاح يُرفع بوجه كل من يرفض الاشتراك في عملية التحاصص السياسي الفاسدة، حتى وإن اختار موقع المعارضة السلمية لها المشروعة دستورياً. أما البعثيون المشمولون بإجراءات قانون المساءلة والعدالة، فقد صُنِّف هؤلاء إلى «التواب»، وغالبيتهم من منتسبي أجهزة القمع، المنخرطين اليوم في صفوف القوى المهيمنة في بغداد والإقليم. و«الرافض» المطارَد، حتى وإن لم يرتكب جرماً. ولم تختلف إجراءات عملية المصالحة في إقليم شمال العراق من حيث الجوهر عن توءمها في بغداد، إذ جرى تحويل ما كان يُعرف بـ«فرسان صدَّام» إلى عناصر في الأجهزة الأمنية للإقليم. إن هذه العملية المشوهة قد اخترقت الجسد الوطني العراقي، ووفرت الأرضية لنشاط القوى المرتبطة بالمشروع الإمبريالي الصهيوني الهادف إلى تقسيم العراق، وتحويله من دولةٍ وطنية إلى إماراتٍ طائفية ومذهبية، مرحلته الأولى هي إقامة الفيدراليات .
في هذا السياق، تمثل نتائج الانتخابات في إقليم شمال العراق، خاتمةً للخطاب السياسي المتاجر بالفيدرالية، هذا الخطاب الذي كان قد أفلس في مناطق الوسط والجنوب، وستنسحب هذه الهزيمة على المتاجرين بالخطاب الليبرالي أيضاً، هؤلاء الذين يمثلون الخط الاحتياطي الثاني للإمبريالية الأمريكية في العراق، أما من يواصل رفع شعار الفيدارلية أو الليبرالية، فما هو إلا واحد من اثنين، إما عميل يواصل مهمته حتى نهايتها المهزومة حتماً، أو جاهل لا يفقه معنى الفيدرالية والليبرالية. وفي كل الأحوال، ستتحطم جميع هذه المشاريع التفتيتية واللصوصية على صخرة الوعي الوطني العراقي، هذا الوعي الجمعي المحصَّن حضارياً وتاريخياً، والمعمَّد بدماء ملايين الشهداء، المتجه نحو الخيار الوطني التحرري القادر على إعادة تأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية، وإقامة نظام العدالة الاجتماعية.