ﻋﻨﻒ ﻟﻴﺒﻴﺎ: ﻣﺴﺒﺒﺎت الاستمرار وﺿﺮورة الإنهاء
اﻧﻄﻠﻘﺖ ﻣﻦ ﻋﻤﻖ ﻣﺸﻬﺪ اﻟﻌﻨﻒ اﻟﻤﺘﻜﺮر ﻓﻲ ﺑﻠﺪان «الربيع اﻟﻌﺮﺑﻲ» أﺻﻮاتٌ ﺟﺪﻳﺪة ﺗﻨﺎدي ﺑﺈﺳﻘﺎط السلاح، وﻳﺒﺪو أﻧﻬﺎ ﻟﻢ تلق اﻟﺮﺿﺎ والاﺳﺘﺤﺴﺎن عند ﻣﻘﺘﺴﻤﻲ ﻏﻨﺎﺋﻢ اﻟﺤﺮب ﻣﻦ ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎتٍ وﻣﺴﻠﺤﻴﻦ وﺗﺠﺎر السلاح.
ﺷﻬﺪت ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻓﻲ الأيام اﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﻣﻮاﺟﻬﺎت ضد ﻣﺘﻈﺎﻫﺮﻳﻦ ﺳﻠﻤﻴﻴﻦ، دﻋﻮا لإزالة ﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺘﺴﻠﻴﺢ ﻓﻲ البلاد، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺪﺑﺎﺑﺎت واﻟﻤﺪرﻋﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎ اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻤﺼﺮاﺗﻪ واﻟﺰﻧﺘﺎن، ولاسيما ﻣﻤﺎ ﻳﺪﻋﻰ ﺑﻤﺠﻤﻮﻋﺎت «درع ﻟﻴﺒﻴﺎ»، وﻣﺠﻤﻮﻋﺎت «ﻟﻮاء ﻏﺮﻏﻮر اﻟﺴﺎﺣﻠﻴﺔ» ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﻃﺮاﺑﻠﺲ، واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻤﺴﺆول اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻋﻦ أﺣﺪاث ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ 15 اﻟﺠﺎري، اﻟﺘﻲ راح ﺿﺤﻴﺘﻬﺎ ﺣﻮاﻟﻲ 47 قتيلاً وأﻛﺜﺮ ﻣﻦ 450 جريحاً، ﺣﺴﺐ ﺗﺼﺮﻳﺤﺎت وزارﺗﻲ الداخلية واﻟﺼﺤﺔ ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ.
وﻗﺪ ﻗﺎم اﻟﺴﻜﺎن وأﺻﺤﺎب اﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎت الاجتماعية، ﻋﻠﻰ إﺛﺮ أﺣﺪاث ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻏﺮﻏﻮر، بإعلان الإﺿﺮاب اﺣﺘﺠﺎﺟﺎً ﻋﻠﻰ ﺑﻘﺎء هذه اﻟﻘﻮات ﻓﻲ ﻃﺮاﺑﻠﺲ، ﺗﻼﻫﺎ اﻧﺘﺸﺎر ﻟﻠﺠﻴﺶ اﻟﻠﻴﺒﻲ واﻟﺸﺮﻃﺔ، كما أﻣﻬﻠﺖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺆﻗﺘﺔ اﻟﻠﻴﺒﻴﺔ هذه اﻟﻘﻮات 72 ﺳﺎﻋﺔ ﻟﻤﻐﺎدرة البلاد.
فوضى ليبيا تنعكس على الأوروبيين
وعلى اﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ إعلان اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻧﺴﺤﺎب ﻣﺠﻤﻮﻋﺎت درع ﻟﻴﺒﻴﺎ وﻣﺠﻤﻮﻋﺎت ﻟﻮاء ﻏﺮﻏﻮر ﻳﻮم اﻹﺛﻨﻴﻦ، ﻓﻲ ﺧﻄﺔ لإدراج هذه اﻟﻘﻮات ودﻣﺠﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺗﺸﻜﻴﻠﺔ ﻗﻮات اﻷﻣﻦ اﻟﻠﻴﺒﻴﺔ، ﻟﻢ ﺗﺨﻔﻒ هذه الإجراءات ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻫﻮر اﻷﻣﻨﻲ ﻫﻨﺎك. ﺣﻴﺚ ﺗﺸﻬﺪ مدينة ﺑﻨﻐﺎزي ﺗﺪﻫﻮراً ﺷﺪﻳﺪ ﻓﻲ اﻷوﺿﺎع اﻷﻣﻨﻴﺔ، اﺳﺘﻘﺎل ﻋﻠﻰ إﺛﺮﻫﺎ اﻟﻤﺘﺤﺪث اﻟﺮﺳﻤﻲ ﺑﺎﺳﻢ ﻏﺮﻓﺔ اﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻷﻣﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﻨﻐﺎزي، «عبد الله اﻟﺰاﻳﺪي» ﻣﻦ ﻣﻨﺼﺒﻪ، وﺗﻌﺮَّض رﺋﻴﺲ اﻟﻐﺮﻓﺔ «عبد الله اﻟﺴﻌﻴﻄﻲ» ﻟﻤﺤﺎوﻟﺔ اغتيال في 20 من الشهر اﻟﺠﺎري، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺗﻌﺮض ﻣﺠﻤﻊ «مليته» اﻟﻨﻔﻄﻲ إﻟﻰ ﻫﺠﻮم مسلح ﻣﻤﺎ أوﻗﻒ ﺗﺰوﻳﺪ إﻳﻄﺎﻟﻴﺎ ﺑﺎﻟﻨﻔﻂ اﻟﻠﻴﺒﻲ، وأدى إلى ارتفاع أﺳﻌﺎر اﻟﻨﻔﻂ ﻓﻲ أورﺑﺎ ﺑﻨﺴﺒﺔ 10% ﻓﻲ اﻟﻔﺘﺮة اﻷﺧﻴﺮة، وﺗﻘﻄﻊ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺧﻂ «ﻏﺮﻳﻢ ﺳﺘﺮﻳﻢ» ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺪﻫﻮر اﻷوﺿﺎع ﻫﻨﺎك.
ﻫﺬا وأﻋﺮب وزراء ﺧﺎرﺟﻴﺔ دول أوروﺑﺎ الأﺛﻨﻴﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ عن ﻗﻠﻘﻬﻢ ﻣﻦ ﺗﺪﻫﻮر اﻟﻮﺿﻊ اﻷﻣﻨﻲ، وﻃﺎﻟﺒﻮا اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻠﻴﺒﻴﺔ بالإسراع في نزع ﺳﻼح اﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎت اﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﻛﻤﺎ وﻋﺪت، وذﻟﻚ ﺣﺴﺒﻤﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ وﻛﺎﻟﺔ «ﻓﺮاﻧﺲ24». كما دﻋﺖ روﺳﻴﺎ رﻋﺎﻳﺎﻫﺎ لعدم اﻟﺬﻫﺎب إﻟﻰ ﻟﻴﺒﻴﺎ، حفاظاً على أﻣﻨﻬﻢ وسلامتهم، وأﺻﺪرت وزارة ﺧﺎرﺟﻴﺘﻬﺎ ﺑﻴﺎﻧﺎً دﻋﺖ ﻓﻴﻪ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻟﻴﺒﻴﺎ إﻟﻰ إﻧﻬﺎء ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺪﻫﻮر اﻷﻣﻨﻲ ﻓﻲ البلاد واﺳﺘﻌﺎدة اﻷﻣﻦ واﻟﻨﻈﺎم.
التفتيت يمنع بناء الدولة
وأﺷﺎرت بعض المصادر أن السلاح اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻓﻲ ﺣﻮزة ميليشيا ﻣﺼﺮاﺗﺔ واﻟﺰﻧﺘﺎن، هو ﺳﻼح ﻧﻮﻋﻲ ﺗﻢ الاستيلاء ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻮدﻋﺎت السلاح، ﻓﻲ ﻋﻬﺪ الرئيس السابق «معمر اﻟﻘﺬاﻓﻲ»، وﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻞ اﻟﻮﺿﻊ ﺧﻄﻴﺮاً ﺟﺪاً ﻓﻲ ﺣﺎل ﻟﻢ ﺗﺘﻢ اﺳﺘﻌﺎدﺗﻪ واﻟﺴﻴﻄﺮة ﻋﻠﻴﻪ. بالإضافة إﻟﻰ ﺗﺤﻮل ﻟﻴﺒﻴﺎ إﻟﻰ أﻫﻢ ﺳﻮق للسلاح ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ، اﻷﻣﺮ اﻟﺬي ﻳﺠﻌﻞ ﻋﻤﻠﻴﺎت الانسحاب ﻣﻦ اﻟﻤﺪن ﻏﻴﺮ ﻛﺎﻓﻴﺔ لإنهاء ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﺴﻠﺢ.
ﻟﻜﻦ اﻷﺧﻄﺮ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻫﻮ ﺑﻘﺎء ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻣﺸﺮوع اﻗﺘﺴﺎم ﻣﻦ ﻗﻮﻯ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ «اﻟﻘﺬاﻓﻲ»، ﺣﻴﺚ ﻻﺗﺰال طرابلس ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ اﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ، وﻟﻢ ﻳﺘﻢ إطلاق ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﻓﻲ البلاد، ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺻﺎﺣﺒﺔ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ أو ﻣﺸﺮوع ﺣﻘﻴﻘﻲ في ليبيا، ﻳﻀﻊ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻘﻮﻯ ﺗﺤﺖ ﺳﻠﻄﺔ دستورٍ وﺟﻴﺶ ﻳﻮﺣﺪ البلاد، وﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻌﺒﺚ ﺗﺄﺧﺮ إطلاقه، ﻓﻲ ﻇﻞ ﻣﺸﺮوع اﻟﻔﻮﺿﻰ الخلاقة، اﻟﺬي رﺑﻂ البلاد بتشكيلاتٍ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻨﻔﺬ ﻣﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﻣﺸﺮوع اﻟﻌﻨﻒ اﻟﺬي لم ينته.