(النووي الإيراني).. وتقدم قوى السلم العالمي
من المفترض أن يضمن الاتفاق الإيراني مع مجموعة الـ «5+1» حول ملفها النووي، حقوق إيران النووية وإبعاد شبح التصعيد العسكري والعقوبات الاقتصادية عنها، ويخفِّف الضغط على ملفات إقليمية أخرى، فالاتفاق الأخير مع وكالة الطاقة الذرية، الموقع في 11 نوفمبر تشرين الثاني الجاري، على خارطة طريق من ثلاثة أشهر، فاتحة جدية لذلك.
للاتفاق الإيراني مع مجموعة «5+1» بعدان استراتيجيان، فحتى اللحظة، ورغم عدم التوقيع على الاتفاق بسبب الضغوطات الصهيونية في كل من الكونغرس وباريس التي سعت لعرقلة الاتفاق، تبقى احتمالات توقيعه ممكنة، لا بل أقرب من أي وقت مضى.
تفوق الدبلوماسية الروسية
ينطوي البعد الأول للاتفاق المزمع إنجازه على تقدم كبير للدبلوماسية الروسية في ملف مستعصي على الحل منذ 10 سنوات، ويحمّل الروس جهات غريبة المسؤولية في تأجيله، في الوقت الذي يسعون فيه إلى تذليل كل العقبات في وجهه. ويؤكد وزير الخارجية الروسي في هذا السياق أن «مجموعة (5+1) لم تقدم مقترحاً مشتركاً في جولة المفاوضات، التي جرت في جنيف نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن روسيا وشركاءها أيدوا المشروع الذي قدمه الأمريكيون، ووافقت عليه طهران».
قدرة الإيرانيين على المناورة
ينم الاتفاق أيضاً على قدرة إيرانية عالية على المرونة السياسية، الضرورية في لحظة استراتيجية هامة، فالضعف الأمريكي أفسح المجال لمزيد من الضغط الروسي، وهو ما أثمر عن لجم «إسرائيل» وقوى الاستكبار العالمية عن ارتكاب حماقات حتى اللحظة، ويقول المتحدث باسم البيت الأبيض، «جي كارني» أن: «اعتراض الحل السلمي قد يؤدي إلى حرب، والشعب الأمريكي لا يريد أن يخوض حرباً جديدة»!
ترتاح إيران لهذه التراجعات الأمريكية، ويجعلها ذلك تقدم «تنازلات» ما، مع ضمانات قطعية بحقوقها النووية، فمعظم ما سرب من بنود الاتفاقيات يضمن لإيران استمرار التخصيب على أراضيها للأغراض السلمية، مع احتفاظها بكميات مما أنتجته سابقاً من «اليورانيوم عالي التخصيب 20%»، بالتوازي مع السماح لمراقبين بدخول المنشآت المصنفة أنها نووية دون غيرها، والتوقف عن إنتاج «البلوتونيوم» في مفاعل «آراك» العسكري الذي كان يعد بديلاً عن اليورانيوم عالي التخصيب.
مكاسب هامة
يضمن الاتفاق رفع جزء من العقوبات الاقتصادية عن إيران، ما يتيح لها استعادة 40 مليار دولار من أموالها المجمدة في الخارج وهو رقم كبير نسبياً.
يحاول البعض تبخيس ما يحصل، فيصور الاتفاق بسذاجة على أنه «تقارب إيراني ــ أمريكي، على حساب الروس الذين كسبوا مصر كجائزة ترضية». لكن وخلافاً لهذه الرؤية السطحية، نجد أن الروس هم المتقدمون، والإيرانيون لم يتقاربوا مع الولايات المتحدة، إلا بمقدار خضوع الأخيرة للواقعية السياسية، وقبولها الابتعاد عن لهجة التصعيد، ولا أدَلُّ على ذلك إلا جنون الكيان الصهيوني، والذي دفع «نتنياهو» للتحذير من أن: «اتفاقاً سيئاً بين القوى العالمية وإيران بشأن برنامجها النووي قد يفضي إلى حرب». كما أن معاونيه يرون أن تخفيف العقوبات الاقتصادية عن إيران سيلغي 40 % من تأثير العقوبات، وليس 5% كما تقول الولايات المتحدة.
مما لا شك فيه أن التقدم لإتمام الاتفاق يشير إلى تثبيت الدور الروسي وقوى السلام العالمي، كقطب صاعد مناهض للإمبريالية التي ملَّ العالم من حروبها الفوضوية.