شبح «سيسي» مصر يلاحق «نهضة» تونس

شبح «سيسي» مصر يلاحق «نهضة» تونس

ذاقت حركة «الإخوان المسلمين» في مصر مرارة سقوطها المدوي بحكم تماثلها، من حيث البرنامج الاقتصادي ــ الاجتماعي والوطني، مع النظام السابق، وكان لا بدَّ لهذا السقوط من أن يكون له انعكاساته الطبيعية على شقيقتها، حركة «النهضة» الإسلامية في تونس.

تجلَّت أولى معطيات هذا الانعكاس، في اضطرار حركة «النهضة» إلى كبح جماحها وتخفيض سقف استفرادها السياسي بالسلطة. في الملموس، اضطرت إلى فتح باب الحوار مع القوى السياسية التونسية المعارضة، ليوقِّع واحدٌ وعشرون حزباً سياسياً تونسياً على خارطة «طريق الحوار الوطني». إلا أنها، وعلى غرار «الإخوان المسلمين»، لم تستطع «النهضة» حتى اليوم أن تتخلى عن العقلية السلطوية، بما يُفضي إلى إمكانية فتح ثغرات حقيقية في الجدار الفاصل بينها وبين قوى المعارضة التونسية.
الخلاف حول رئيس الحكومة
كان الحوار الوطني قد تعثَّر عند إشكاليات عدّة، تجسَّد أبرزها في الخلاف حول شخصية رئيس الحكومة الجديد، بعد أن استنفدت «النهضة» كل آمالها في الإبقاء على رئيس الحكومة الحالي، الإسلامي علي العريض. وعلى هذا الأساس، بدأت المفاوضات بين القوى السياسية لاختيار خليفة العريض في أوائل الشهر الماضي، بحيث تدفع «النهضة» بمرشحها أحمد المستيري، وسط الرفض الذي تبديه القوى المعارضة اتجاهه، نتيجة انتمائه الليبرالي ومواقفه السابقة المناهضة لسياسة «التعاضد الفلاحي»، التي كانت سائدة في تونس أواخر ستينيات القرن الماضي. بينما دعمت المعارضة من جهتها محمد الناصر، وهو أحد المسؤولين في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، لخلافة العريض. هذا الخلاف بين الترويكا الحاكمة بقيادة «النهضة» من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، أدى إلى تعليق الحوار لمراتٍ عدة، دون التوصل إلى نتيجة ملموسة حتى اليوم.
وفي سياق الحديث حول الحوار الوطني في تونس، تبرز «المركزية النقابية» (الاتحاد العام التونسي للشغل) كوسيطٍ رئيسيٍ وجاد بين الأحزاب السياسية المتنازعة، بحيث لا تزال تلعب حتى الآن ذلك الدور البناء والراعي، للوحدة الوطنية في تونس.
درس مصر.. قد يكون الأخير
تراهن «النهضة» الإسلامية على نجاح سياستها الرامية إلى تخفيف وطأة مظاهر الحكم الفردي في تونس، بما يطيل من عمر تجربتهم هناك، حيث يتجلى ذلك من خلال عملهم على تأمين موقع رئيس الجمهورية، المنصف المرزوقي، بعيداً عن تأثيرات الصراع السياسي وارتداداته. وهذا ما انعكس بدوره على خطاب المرزوقي نفسه، الذي بات يعلن أنه «يقف موقف الحياد، وعلى مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، في عملية اختيار رئيس جديد للحكومة»، وكذلك في استمالته لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» ومحاولته استيعاب الريع السياسي المتزايد للاتحاد الذي بادر أمينه العام، حسين العباسي، إلى تضمين رده على محاولات المرزوقي بالقول إن «الاتحاد العام للشغل يعمل على تقريب وجهات نظر السياسيين، عبر عقد لقاءات بشكلٍ متجدد مع رؤساء الأحزاب، وفي حال فشل الحوار سنصارح الشعب التونسي بالأطراف التي وقفت وراء إفشاله».
هذه اللهجة في خطاب الاتحاد، والتي تذكِّر إلى حدٍ بعيد بفترة المهل التي كان يعطيها الجيش المصري، كمؤسسةٍ «ما فوق الخلاف السياسي»، للأحزاب السياسية المصرية من أجل إنجاز الحوار وحلحلة الاستعصاء السياسي، دفعت المرزوقي للدعوة «إلى قطع الطريق أمام سيسي آخر في تونس»، في إشارةٍ إلى «الاتحاد العام التونسي للشغل»، وهو ما دفع بأمينه العام، حسين العباس للرد، عبر وكالة «رويترز» الإعلامية بأن «الاتحاد لا يسعى إلا إلى استخدام نفوذه لوضع حدٍ للمواجهة بين الخصوم السياسيين التونسيين، إسلاميين وعلمانيين، والتي زادت من متاعب الاقتصاد التونسي».
وبدوره، ينعكس الخطاب المتوازن للاتحاد بمحاولات مكشوفة من قيادات «النهضة» لاستحضار خطاب جامع للتونسيين في وجه الاتحاد، إلا أن سقف ما تمكنت منه هو الصياغة المبتذلة، التي جاءت على لسان المرزوقي، في حديثه عن أن تونس «تعاني تحدياتٍ ثلاثة، التحدي الاقتصادي ويتمثل في تنمية الشباب، والتحدي الديمقراطي ويتمثل في إقامة دولة ديمقراطية، وآخر أمني لأننا نواجه الإرهاب أيضاً». وهو ما ردت عليه المظاهرات الشعبية في تعميمها للشعار: «الإرهاب، الدكتاتورية، تدمير اقتصاد تونس= النهضة».