الجزائر: الدم والفقر والفساد
يعود إلى الإعلام الحديث عن «سوناطراك»، الشركة الحكومية لثروات الطاقة، في فضيحة جديدة عبر تصريحات نائب مدير «سوناطراك» سابقاً «حسين مالطي»، وهذه الشركة يعتبرها الجزائريون الأشهر إعلامياً بفضائح الفساد والإقالات المتكررة على مدى السنوات العشرة الماضية دون أن يتغيّر الحال أبداً.
«سوناطرك»: مغارة علي بابا الجزائرية
فضائح «سوناطرك» تعتبر الواجهة الأساسية للفساد في الجزائر، هذه الفضائح مستمرة منذ عام 2005، وفي عام 2007، ثم 2009، 2011، واليوم تعود للواجهة من جديد. فالفساد يمتد في مشاريع البنية التحتية وعقود الاستيراد. وللتعرف على حجم النهب والفساد الموجود في «سوناطراك»، يكفي معرفة أن الجزائر هي واحدة من أغنى دول القارة بالغاز الطبيعي والنفط، وهي المصدِّر الثالث للغاز إلى أوربا، وباحتياطي يزيد عن 190 مليار دولار.
وقد اعتاد الجزائريون التعرف على ملفات الفساد في «سوناطراك» عبر الإعلام الغربي، ففي نهاية عام 2009، انتشرت فضيحة الرشاوى التي تقدمها شركة النفط الإيطالية «إيني ENI» وشركة «سايبم SAIPEM» - الشركة الخاصة الأقوى في عقود الغاز في الجزائر- واتهم القضاء الإيطالي الشركتين بتقديم ما يزيد عن 256 مليون دولار رشاوى، لتأمين عقود بقيمة 11 مليار دولار. ما الذي حدث في الجزائر؟ إقالات لمسؤوليين في مناصب إدارية وحتى وزارية ولجان وتحقيقات لا تنتهي.
يرى الجزائريون، في المهرجان الإعلامي الدائر حول الفضيحة الأخيرة، أن الفساد يلتهم نفسه، الكبير يأكل الصغير، ليتمركز النهب أكثر وتصعب مواجهته أكثر. يسمونه «مونديال الفساد»، كل شركات العالم الأمريكية والإيطالية والكندية والفرنسية، ومعها الشركات الأصغر الماليزية والسورية واللبنانية، تشارك في الفساد وتعيد تبييض رموزه، ثم تشارك «ديموقراطية» الغرب في فتح ملفات الفساد لشركات بلادهم، لتعود وتأتي شركات جديدة من تلك البلدان ذاتها لتأخذ عقود جديدة في نهب ثروات الشعب..!
على قدر الفساد.. تنخفض الحريات
وفق مراكز الدراسات، تُعدَّ الجزائر من أسوأ الدول بتفشي الفساد في شمال أفريقيا وشرق المتوسط (مرتبتها 12 من أصل أسوأ 17 دولة)، نسبة البطالة تزيد عن 27%، و25% من الجزائريين يقبعون تحت خط الفقر. هذا التوزيع غير العادل للثروة يتناسب بالضرورة مع مستوى منخفض للحريّات والمحاسبة والقضاء، فتصنّف الجزائر ثاني أسوأ دولة باستقلالية القضاء، لتسبقها لبنان فقط، بين دول الشرق الوسط وشمال أفريقيا.
وقد شهدت الجزائر، بين 1986 و 1988، موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية على سوء المستوى المعيشي وتردي الاقتصاد، ووجهت الاحتجاجات في وقتها بقمع شديد من السلطة. بعدها كانت أحداث الحرب الأهلية، من 1992 وحتى 1999، بإعلان اتفاق المصالحة الوطنية، واستمرت عمليات القتل والتفجيرات حتى نهاية 2003، ففقدت الجزائر أكثر من 100 ألف شهيد خلال الأعوام العشرة.
ومع بداية الحركات الشعبية عام 2011 في تونس ومصر وسورية، شهد الجزائر أيضاً تظاهرات واسعة حملت مطالب اقتصادية ومعيشية وديموقراطية، قوبلت التظاهرات بقمع شديد مع وعود بالإصلاح. وبغياب قوى سياسية، ذات شعبية وبرامج وطنية شاملة، يحاول الجزائريون التعلم من تجاربهم وتجارب البلدان المجاورة، والبحث عن حلول تحفظ البلد من المخاطر التي شهدتها بلاد أخرى، سورية ومصر واليمن مثالاً.