قطع التنسيق مع الأمريكي.. كبداية لمكافحة الإرهاب

قطع التنسيق مع الأمريكي.. كبداية لمكافحة الإرهاب

في طريقه إلى واشنطن، صرّح نوري المالكي أن أحد أسباب زيارته هو طلب مساعدة أمريكا، لمكافحة الإرهاب، وهو ما أكّده في محادثاته مع «جوزيف بايدين»، عرَّاب مشروع تقسيم العراق، وما «كتبه» في صحيفة «نيويورك تايمز»، في سياق تفعيل اتفاقية «الإطار الاستراتيجي»، الموقعة بين المحتل الأمريكي وحكومة المحاصصة الطائفية الفاسدة في عام 2008. وقبل ذلك كان قد مهد لعرض طلبه هذا، صارخاً إنها «حرب إبادة»، وهو قول حق يراد به باطل.

نعم، إن ما تعرض له الشعب العراقي على يد قوات الاحتلال الأمريكية، هو حرب إبادةٍ شاملة للبشر والأرض والمياه، ولا تزال آثارها الكارثية تفتك بالبلاد والعباد، (أمراض سرطانية وولادات مشوهة، مياه وأرض مسممة، ملايين المعوقين والأرامل والأيتام، بنية تحتية مدمرة، زاد عليها نظام المحاصصة حرب إبادة اقتصادية، حاصرت الناس بالجوع والفقر والتخلف)، وصولاً إلى نهب الثروات على يد الشركات الأمريكية وزبانيتها في النظام. فأي حرب على الإرهاب تلك التي يريدها المالكي من زعيمة الإرهاب الدولي أمريكا؟
لم يعد خافياً على أحد تلك الحقيقة، المبرهن عليها عالمياً، والقائلة بأن لا سبيل للقضاء على الإرهاب إلاّ بإستراتيجية وطنية شاملة، تجمع بين تدابير الوقاية وتدابير الحماية، وإذا كان الجهد الاستخباري والعسكري يحتاج مؤسسة عسكرية وطنية لمكافحة الإرهاب، لا قوات مليشيات تأتمر بأوامر سادتها، وترتكب، على وقع الخطاب الطائفي، أبشع الجرائم بحق المواطنين، بل وتشارك جنباً إلى جنب مع الشركات الأمنية الصهيونية مباشرة بالأعمال الإرهابية، فإن معالجة العوامل الاقتصادية والسياسية التي توفر الحاضنة للإرهاب، يشكل جهداً لا يقل عن نسبة 50% من مقومات عملية مكافحة الإرهاب إلى جانب الـ 50%  من الجهد الاستخباري والعسكري.
إن الحرب على الإرهاب هي ليست حرباً ضد الأعمال الإرهابية المباشرة ومنظماتها فحسب، بل هي عملية سياسية اجتماعية اقتصادية متكاملة، تتمثل بإقرار مبادئ التعددية والتنوّع، والتداول السلمي للسلطة، والحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج المجتمعي العراقي المتماسك على مر الأزمان، ووضع حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية المستديمة المتصاعدة.
ولا بدّ من التأكيد على أن القضاء على الفساد قضاءً مبرماً، يمثل جوهر تدابير الوقاية المجتمعية وتدابير الحماية العسكرية، ولا إمكانية لتحقيق هدف القضاء على الإرهاب دون التخلص من توءمه الفساد. لأن الإرهاب يمثل، في جوهره، الوجه المسلح والدموي للفساد، بوجهه الناعم، المفترس لمفاصل الدولة والمجتمع.
ولكي ينجح المجتمع في التصدي للإرهاب، لا بد من توفر الشروط الموضوعية والذاتية لإنجاز هذا الهدف الكبير، ولعل من أهم تلك الشروط، هو وجود سلطة وطنية منتخبة من الشعب مباشرة، ولا ترتهن لإرادة الأجنبي، ومتحررة من القيود الاستعمارية، كاتفاقية «الإطار الإستراتيجي»، مع المحتل الأمريكي المدحور، وجيش وطني، لا جيش مليشياوي يهرب الإرهابيين بالآلاف، ويقمع الجماهير الشعبية المحتجة على الأوضاع المأسوية التي تعيشها، ودستور عراقي ينبع من التاريخ الحضاري لبلاد الرافدين، والمسيرة الثورية للشعب العراقي التواق للحرية والتقدم، لا دستور مرقع مفصل على مقاس أمراء الطائفية والعنصرية، لضمان سطوتهم وسلطتهم على إقطاعيات يطلقون عليها زوراً وبهتاناً اسم «فيدراليات». وقوانين تحرر المجتمع من هيمنة الخطاب الطائفي والعنصري، المتحالف موضوعياً مع الخطاب الإسلاموي الإرهابي، القادم من خارج الحدود، وقوانين تحرر المرأة من الاستعباد، والطفل من التشرد، والعاطل من البطالة..الخ
قوانين تضمن آدمية الإنسان العراقي، الذي ناضل وكافح على مر الأزمان، من أجل تأسيس الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

صباح الموسوي* : عضو لجنة العمل اليساري العراقي المشترك