زيادة الأجور.. تعويض غير كاف
صدر المرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2013 بتاريخ 22/6/2013 والذي يتعلق بزيادة الرواتب والأجور..الزيادة التي ستتوزع على شرائح الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام والمشترك الذي تساهم الدولة فيه بنسبة 75%،
بينما لم يتضح بالتفصيل وضع عمال القطاع الخاص حيث يشمل المرسوم قضية الالتزام بالحد الأدنى للأجور بمستواه الجديد.
المرسوم الذي أضاف تمييزاً جديداً على الحالة السورية استثنى منه المتعاقدين بعقود مقاولة أو بعقود استخدام من غير العرب السوريين والعرب الفلسطينيين المشمولين بالقانون رقم 260 لعام 1956.. في خطوة مسبوقة في سياق تمييز الدولة السورية للمواطنين العرب السوريين والعرب الفلسطينين الذين كانوا يعاملون كحملة الجنسية السورية..
زيادة الأجور بنسبة 30-40% وفق الشرائح ترافقت مع ارتفاع أسعار المازوت بنسبة 71%، لتشكل الزيادة تعويضاً عن ارتفاع مستوى الأسعار الناجم عن "رفعة" المازوت الأخيرة..
الزيادة التي نقلت الحد الأدنى للأجور الاسمية إلى مستوى جديد، لم تنقل الأجور الحقيقية في سورية إلى مكان أفضل.. وذلك بعد أن تعرضت القدرة الشرائية للأجور التي تحدد مدى الجدوى الحقيقية من "رقم الأجر" إلى الكثير من التراجع بحيث لن تستطيع الزيادة الأخيرة على رقم الأجور أن تشكل مساهمة جدية وكافية لترميم الفجوة ما بين حاجات أغلب الأسر السورية وقدرة أجورها الواهية على تأمين هذه الحاجات..
زيادة الأجور الأخيرة هل كانت تعويضاً كافياً لرفع أسعار المازوت؟! وما حجم التعويضات المطلوبة؟! وما السبل للوصول إلى زيادة الأجور الحقيقية في ظل نقص الموارد..
الأجور والمازوت.. إحدى علاقات تخفيض الأجر الحقيقي
أعلن عن رفع أسعار المازوت بنسبة 71% على سعر الليتر ليقفز من 35 ل.س إلى 60 ل.س، المازوت الذي تتوضح علاقة سعره مع المستوى العام للأسعار من مستوى استهلاكه الكبير في حياة السوريين اليومية وإنتاجهم.. يتجاوزرفع السعر أثر المبالغ المضافة التي يدفعها كل مستهلك عند استهلاكه المباشر للمازوت، بل سيدفعها المستهلكون في سعر كل مكون يدخل فيه المازوت أي منتجات الزراعة، والصناعة بالإضافة إلى النقل.. لينتقل المستوى العام للأسعار إلى مستوى أعلى مع رفع سعر المشتق النفطي الأكثر استهلاكاً..
بحسب المختصين فإن مستوى تأثير المازوت على المستوى العام للأسعار يتم وفق معادلة محسوبة قائمة على أن: كل 1% ارتفاع في سعر المازوت يرفع مستوى الأسعار بنسبة 0,4% لتكون زيادة المازوت الحالية ترفع مستوى الأسعار بنسبة 28% بشكل وسطي (71 × 0,4).
ويلاحظ تقارب هذه النسبة مع ارتفاع أسعار النقل وفق التعرفة الرسمية، حيث انتقلت التعرفة من 15 ل.س للخطوط الطويلة إلى 20 ل.س أي بنسبة زيادة 25%. بعد أن شهدت أجور النقل تخبطاً كبيراً وزيادة وصلت إلى أعلى من 50% من الاجر على بعض الخطوط.
بالتالي فإن الزيادة الحالية للأجور والتي تتراوح وسطياً بين 30-40% ستغطي بجزئها الأساسي الارتفاع في مستوى الأسعار الذي سيؤدي إليه ارتفاع سعر المازوت.. ولكن مع إشكال في طريقة التعويض يحمّل المستهلكين من أصحاب الأجر تعويض كافة الفئات الأخرى من مستهلكي المازوت..
الزيادة تعويض منقوص
زيادة الأجور الأخيرة كتعويض عن ارتفاع المستوى العام للأسعار الذي سيسببه ارتفاع المازوت، تعني بأن كل ارتفاعات الأسعار الناجمة عن ارتفاع كلف النشاطات الإنتاجية التي يدخل المازوت فيها ستعوض من رفع الأسعار التي سيدفعها المستهلك النهائي وصاحب الأجر تحديداً، الذي سيدفعها من زيادة الأجور الأخيرة..
فعدم الإعلان عن طرق تعويض للقطاع الزراعي والصناعي، أو تعويض الاستهلاك المنزلي من المازوت كمادة تدفئة سيجعل السوريين يعوضون خساراتهم من أجور بعضهم البعض وهو ما سيتجاوز نسبة 28% التقديرية أو لن يستطيع حصرها بهذه النسبة، لذلك يمكننا القول إن زيادة الأجور لا تشكل تعويضاً كاملاً لرفع المازوت حيث تعوض أثره على المستوى العام للأسعار، لكنها تلغي الأثر الإيجابي لسعر المازوت المنخفض على انطلاق عمليات زراعية وصناعية، التي إذا لم تنل تعويضات مباشرة فإنها لن تستطيع الإقلاع في العملية الإنتاجية لتعوض لاحقاً بالأسعار المرتفعة لمنتجاتها والتي ستحصلها من أجور المستهلكين.. ما يعيق العمليات الإنتاجية ويؤدي إلى تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار..
وفر المازوت.. موارد؟!
رفع تكلفة ليتر المازوت بمقدار 25 ل.س لليتر سيحقق وفراً في دعم المازوت يقدر بالمجمل بحوالي 187 مليار ل.س، وبالمقابل فإن زيادة الأجور ستكلف بحسب الحكومة مقدار 86 مليار ل.س، ليتبقى حوالي 101 مليار ل.س محسوبة على أساس استهلاك 7,5 مليار ليتر، لا تشكل وفر صافي للحكومي، بل هي تخفيف من تكلفة استيراده المرتفعة، التي على الرغم من عدم إعلانها بدقة تتيح المقارنة إلا أنه وفقاً للأسعار العالمية وسعر الدولار مقابل الليرة يجب أن تصل إلى 100 ل.س لليتر. لذلك فإن الوفر المحقق من رفع سعر المازوت لا يستطيع أن يغطي بشكل جدي الفارق بين التكلفة المرتفعة والسعر المحلي، إلا إذا خفف عبء كلفة الاستيراد المرتفعة الناجمة عن ارتفاع سعر الصرف..
ولكن على الرغم من كون 100 مليار عدا عن الأجور لا تشكل وفراً صافياً للحكومة إلا أنها أخذت من جيوب السوريين ودخولهم المتراجعة ويفترض أن تعاد إليها على شكل تعويضات عن رفع سعر المازوت للتخفيف من أثر الارتفاع على الأجور الحقيقية..
أي زيادة أجور نريد.؟!
محددات الأجور الحقيقية التي ترتبط بالمستوى العام للأسعار وبالتالي بقدرة الليرة الشرائية يفترض أن تنطلق من تراجع قيمة الليرة من جهة، ومن تعويض ارتفاعات الأسعار المباشرة من جهة أخرى.. وبناء عليه يتحدد بالحد الادنى مستوى تدهور أجورنا وأي زيادة حقيقية نريد..
اعتباران للتحديد
1- تراجع قيمة الليرة
شهدت مرحلة الأزمة والعامين الماضيين تراجعاً في قيمة الليرة بنسبة 200% في حال اعتبار سعر صرف الدولار 150 ل.س، و300% في حال اعتبار سعر صرف الدولار 200ل.س.
بالتالي يفترض أن تنطلق زيادات الأجور الاسمية من مستوى زيادة 200% بالحد الأدنى لتعوض تراجع قيمة الليرات التي تتكون منها أجورنا الإسمية.
2- نتائج التراجع عن الدعم
أما سياسة "تخفيف" الدعم التي طالت أسعار المشتقات النفطية ليتبنى أصحاب القرار السياسي في الاقتصاد السوري شعار تخفيف الضغط على الحكومة بالسير نحو رفع الدعم عن المحروقات وتدفيع المستهلكين للوفورات الحكومية المطلوبة..
كل مادة من المشتقات النفطية ارتفع سعرها سببت بنسب متفاوتة أثراً على ارتفاع المستوى العام للأسعار، وبالتالي على الأجور الحقيقية.. نختصر تحديد أثرها على ارتفاع الأسعار بأثر المازوت باعتباره أكثرها استخداماً ودخولاً في القطاعات كافة، والذي كما ذكر يؤدي رفعه بنسبة 1% إلى زيادة 0,4%. فمن الممكن أن نستخدم ارتفاعاته كمؤشر للتعويض الحقيقي المطلوب عن رفع أسعار المشتقات إجمالاً:فإذا ما كان سعر المازوت خلال الأزمة انتقل من سعر 15 ل.س إلى 35 ل.س فهو قد ساهم بالحد الادنى برفع مستوى الأسعار بمقدار 53% وهو الارتفاع الذي لم يعوض حتى الآن.. ومع الارتفاع الأخير فإن نسبة تأثير الرفع الرسمي لسعر المازوت من 15 ل.س إلى 60 ل.س خلال الأزمة يرفع مستوى الأسعار بنسبة 120% وبالتالي يتطلب زيادة أجور بالمقدار نفسه.
التعويض الحقيقي يتطلب موازنة جديدة
رفع الأجور الاسمية لكي يقارب مستوى تراجع الأجور الحقيقية انطلاقاً من عاملين فقط تراجع قيمة الليرة من جهة، وأثر رفع سعر المازوت من جهة أخرى يتطلب إذاً رفع الأجور الاسمية بمقدار 320% زيادة بالحد الادنى لنكون قد أعدنا الاجور إلى المستوى السابق.. ما بين تعويض تراجع قيمة الليرة من جهة، وأثر رفع سعر المازوت على مراحل من جهة أخرى.. وهو ما يتطلب قرابة 1300 مليار ل.س.. أي موازنة حكومية إضافية..
البدائل.. عن زيادة الأجور الاسمية
إن الهدف من هذه الأرقام ليس الدعوة بكل تأكيد إلى رفع الأجور بنسبة 320% نظراً لاعتبارات منطقية تتعلق بنقص الموارد في ظروف الحرب وخاطئ من وجهة نظر توليد تضخم كبير وضخ سيولة تقترب من ميزانية الحكومة في السوق..
ولكنه ضروري لتوضيح مستوى الفجوة في الأجور الحقيقية والبحث عن حلول لزيادة الأجور الحقيقية وضرورة الابتعاد عن مزيد من تحميل نقص الموارد على أصحاب الأجر والمستهلكين الذي أثقلت كاهلهم ارتفاعات مستوى الأسعار..
والحلول البديلة تقتضي إيقاف مسببات تدهور مستوى الأسعار:
• حماية الليرة بتغيير سياسة إدارة سعر الصرف والقائمين عليها، حيث باعتمادها أسلوباً أحادياً في إدارة سعر الصرف تساهم في ارتفاعه يوماً بعد يوم وزيادة قدرة السوق على التحكم به.
• التراجع عن سياسة "تحصيل موارد حكومية" هدفها الوصول إلى رفع الدعم عن المحروقات، وتعتمد على تحميل الأجور والمستهلكين هذا العبء الكبير.
• التوجه نحو استهداف الأجر الحقيقي مباشرة بدعم جزء هام من الحاجات والسلع الاساسية حيث تأمين الغذاء فقط بالحد الأدنى اليوم يتطلب ما يفوق الحد الأدنى من الأجر.. وذلك عن طريق اعتماد دعم السلع الاستهلاكية الغذائية وإخراج جزء هام من عرضها من دائرة السوق والخضوع لعمليات المنافسة السوقية.