د. شادي أحمد لـ«قاسيون»: خلل في دور «المركزي».. وانحياز غير مبرر «للصرافين»
ارتفاع الدولار ووصوله إلى سعر فاق الـ 200 ل.س خلال الأسبوع المنصرم ليعود بعدها إلى الانخفاض، في فورة غير مسبوقة لم يتضح لها أي سبب مباشر عدا عن تصعيد لقوى المضاربة في سوق الصرف غير النظامية، حول هذا الارتفاع وجملة الإجراءات الحكومية التي أعقبته، وبعض مما تم تداوله من طروحات حول إدارة الاحتياطي حاورت «قاسيون» هاتفياً المحلل الاقتصادي والسياسي د.شادي أحمد ليفيدنا برؤية حول المحاورالتالية..
تخبط سعر الصرف.. والقوى الفاعلة بعيدة عن القرار
«يعود الاتجاه بانخفاض الليرة السورية أمام الدولار خلال المرحلة الماضية إلى المضاربات بشكل رئيسي، مع عدم قدرة السلطات النقدية بسورية على التدخل بشكل فعال، إضافة إلى عدم وجود جهاز أزمة لإدارة النقد الأجنبي سورية.. ليؤدي كل هذا إلى تحكم تجار العملات الأجنبية بالسوق.. أما إجراءات البنك المركزي عادة يكون لها تأثير مؤقت مثل «المخدر».. حيث ليس بمقدرة البنك المركزي في سورية أو في أي مكان آخر أن يملك المحافظة على سعر متوازن ودائم للصرف، تحديداً عندما تكون القوى الاقتصادية التي ترتبط بموضوع سعر الصرف بشكل حقيقي لا تزال بعيدة عن التأثير على القرار، وهي التي يجب أن تحافظ على سعر توازن اقتصادي للدولار والليرة السورية. لذلك يجب أن توضع لجنة عليا للإشراف على إدارة الاحتياطات النقدية الأجنبية، لتقوم بتوفير احتياجات الاستيراد السوري من الدولار لهذه القوى الاقتصادية وهي تحديداً قطاع الاستيراد السوري المتمثل بالقطاع الخاص، ومؤسسات الدولة المتعلقة منها مؤسسة التجارة الخارجية ومؤسسات التدخل المباشر مثل الخزن والتسويق على سبيل المثال..»
عدم انسجام.. وطرق تمويل عشوائية
«يشوب القرارات المتعلقة بالاستيراد وتمويله بالقطع كثير من التناقض وعدم الانسجام، حيث يوحي التناقض الكبير في القرارات المتخذة بعدم وجود جهة واحدة ناظمة للقرار الاقتصادي. على سبيل المثال البنك المركزي طلب من البنوك التجارية الخاصة إيقاف تمويل المستوردات وهذا الأمر تم منذ وقت طويل حيث تم إيقاف تمويل المعتمدات المستندية بينما سمح البنك المركزي لمؤسسات الصرافة بتمويل المستوردات وفق قواعد معينة..
لايمكن للأمر أن يستقيم إلا بوجود قرارات منسجمة مع بعضها، فعندما تقوم مؤسسات الصرافة بالتمويل فهي تقوم بذلك عن طريق الحوالات بإعطاء القطع بشكل مباشر للتاجر، وهذا باعتقادي يشكل المزيد من الضغوط التضخمية، ويزيد الفوضى والتسريب للسوق السوداء. يجب إعادة نظام الاعتمادات المستندية عن طريق البنوك التجارية العامة والخاصة.وأن تقوم البنوك بذاتها بفتح الاعتمادات وليس باليد لأي مواطن وأي تاجر، وبالطريقة ذاتها تؤمن الدولة احتياجات مؤسساتها التدخلية . كل هذا الأمر يجب أن يخضع لما يسمى حزمة من التمويلات وفق سلسلة أولويات تشمل المواد المستوردة الأساسية..»
المركزي خلل في الدور التدخلي..
موازنة سعر الصرف الأجنبي في السوق المحلية يفترض أن تتم من خلال سوق صرف أو سوق نقدية، مكونة من قوى عرض وطلب، قوى العرض هي البنك المركزي وتحويلات المغتربين وواردات متنوعة من القطع، قوى الطلب المفروضة والحقيقية هي بجزئها الأكبر متمثلة بقطاع الاستيراد وجزء بسيط متمثل بحاجات المواطنين غير التجارية كالطبابة والسياحة والتعليم وغيره.
ودور المركزي التدخلي يفترض أن يقوم على أساس فكرة خلق توازن والمحافظة عليه.. فقوى الطلب وهي المصارف بالنيابة عن المستوردين تعمل على تأمين احتياجاتهم، وقوى العرض وهي البنك المركزي بشكل أساسي يجب أن تمارس سياسات التدخل.
الذي حصل هو اختلال كبير في هذه العملية بأن المركزي كان يضخ بالدولار تحديداً خارج إطار قوى الطلب، والذي تمثل بمبلغ الـ 10 آلاف دولار التي يستطيع كل مواطن أن يحصل عليها..وهي العملية التي ساهمت بتوسيع كبير في السوق السوداء السورية خلال الأزمة..
شركات الصرافة..
قوى خارج السوق
« في سياق تقييم سياسة المركزي يجب أن نتساءل: لماذا أقيمت مزادات القطع الأجنبي لشركات الصرافة، وهي ليست جزءاً من السوق، أو من قوى العرض أو الطلب.. بل تعتبر مؤسسات موازية للسوق و منفذاً من منافذ السوق؟!..فما معنى إيصال الدولار إلى شركات الصرافة؟! ومن الممكن أن نسأل سؤالاً عندما نوفر لشركة الصرافة دولار كيف من الممكن أن يؤثر ذلك إيجابا على السوق؟! لا يؤثر على الإطلاق.. وبالدليل أن أغلب الضخ كان نحو هذه المؤسسات ولم تؤثر على سعر صرف الدولار..»
الأسواق الإقليمية
وتأثيرها على سعر الصرف..
«المعلومات المتداولة عن تأثير الأسواق الإقليمية على سعر الصرف وقيمة الليرة السورية معلومات جدية، وتحديداً سوق الصرافة الموجودة في «شتورة» في لبنان، حيث تشكل مركزاً أساسياً تهرب الليرة والدولار إليها، بينما الأردن بنسبة أقل.. حيث يلاحظ بشكل واضح ارتباط سعر الصرف وارتفاعه بعمليات تهريب العملة إلى تركيا إلى لبنان وإلى الأردن.. وقيام قوى سياسية في لبنان تحديداً بعمليات مضاربة كبيرة على الليرة والدولار للتأثير سلباً على الوضع السوري..»
العودة إلى الثمانينيات..
«سياسة الثمانينيات في إدارة الأزمة الاقتصادية والسياسة النقدية التي قادها بجدارة الدكتور محمد العماري وزير الاقتصاد آنذاك، كانت ناجحة بإدارة ظروف أزمة تلك المرحلة، حيث حمت الاقتصاد السوري من انهيار حقيقي، الذي كان ممكناً بعد العقوبات والحصار، ولكن الإدارة في تلك المرحلة جعلت الاقتصاد السوري يخرج بأقل الخسائر، بل ويؤسس لقاعدة اقتصادية لا بأس بها.. اليوم الإجراءات يجب أن تكون أعمق بكثير لأن حجم الأزمة أعمق بكثير، حيث توجد في سورية مقومات من أجل إدارة الأزمة السورية فالاقتصاد الإنتاجي الذي نملكه يملك أدوات رفع اقتصادي، وهناك فرصة تاريخية ليس فقط للخروج من الأزمة وإنما إعمار سورية من جديد وبطرق أفضل، وإعادة بناء جهاز نقدي مالي متكامل بشكل أفضل..»