بطاقة «تميز...» ومفهوم العدالة المؤسسية
أطلقت وزارة السياحة في بداية كانون الأول الحالي برنامج وبطاقة «تميز»، للعاملين في القطاع العام. وبحسب بيان لجريدة «الوطن»، في 21 من الشهر نفسه، أكدت الوزارة أن حامل هذه البطاقة سيستفيد من عروض شهرية متجددة وخصومات حصرية تصل إلى 50% في قطاعات متعددة من بينها الفنادق والمنتجعات، إضافة إلى عدد من المنشآت الصحية!
ويتم اختيار «المتميزين» وفق معايير أداء «وطنية»، ويوجه في المرحلة الأولى نحو الموظفين الذين حصلوا على تقييم أداء «ممتاز» من الجهة التي يتبع لها الموظف.
وبينما يُروج للبرنامج على أنه مبادرة لتحفيز الموظفين وتحسين بيئة العمل، إلا أنه ينطوي على إشكاليات عدة، قد تهدد مبادئ العدالة والمساواة. فالآلية الأولى للتميز تكمن في إنشاء تراتبية وظيفية جديدة، حيث يضع البرنامج تعريفاً للموظف «المتميز» وفق معايير غير واضحة، مما يخلق تلقائياً فئة أخرى «غير متميزة».
ولا يقتصر هذا الفصل على مجرد التصنيف، بل يتعداه إلى تقديم امتيازات مادية ملموسة لفئة دون الأخرى، ما سيعزز الانقسام داخل المؤسسة، ويولد شعوراً بالإحباط وعدم التقدير لدى فئة كبيرة من الموظفين.
كما أن هكذا «بطاقة» تغفل أهمية العمل الجماعي والتكامل بين مختلف الأدوار الوظيفية. فكل موظف، بغض النظر عن درجته أو وصفه الوظيفي، يساهم في تحقيق أهداف المؤسسة.
الكفاءة أم الولاء؟
وعن الهدف من «المبادرة» قال وزير السياحة مازن الصالحاني «للوطن»: «أنه تحقيق لرؤية رئاسة الجمهورية في بناء دولة مؤسسية تعتمد على الكفاءة والانتماء».
لكن صياغة مصطلحات مثل «الانتماء» بشكل فضفاض، يفتح الباب واسعاً أمام التأويلات الشخصية والقرارات التعسفية. ففي ظل غياب معايير أداء موضوعية وشفافة، تتحول هذه المصطلحات إلى أدوات ربط بين الامتيازات المادية والولاء، وتحويل الولاء إلى سلعة قابلة للمقايضة بحوافز مادية ملموسة. فهل هو انتماء للنظام الحاكم وهياكل السلطة القائمة، أم المؤسسة أو الوطن؟
والأهم أن هذا النوع من «البرامج» قد يصرف الانتباه عن المشاكل الهيكلية في القطاع العام، مثل تدني الرواتب، والفصل التعسفي، ونقص فرص التدريب والتطوير، والبيئة البيروقراطية. وبدلاً من معالجة تأثيرها الذي يطال جميع الموظفين من دون استثناء، يتم اللجوء إلى حلول سطحية تخلق فئة «مميزة».
50% للصحة أيضاً!
يعد تضمين منشآت صحية ضمن برنامج «سياحي» مؤشراً على تسييس الخدمات الصحية. فبدلاً من أن يكون الوصول إلى الرعاية الصحية حقاً للجميع، يصبح مكافأة للولاء، أو امتيازاً.
كما أن تداخل وزارة السياحة مع قطاع الصحة، يعكس مركزية القرار السياسي الذي يطغى على الاعتبارات التقنية والإدارية، ويحول الطبابة إلى جزء من «باقة ترفيهية»، تُستخدم كأداة للمكافأة، وبذلك تتحول الحقوق إلى امتيازات.
القطاع الخاص «الخيري»
صرّح الوزير بأن القطاع الخاص أبدى «حسّاً وطنياً عالياً ورغبة صادقة في الإسهام المجتمعي»، فإلى الآن تم الاتفاق مع 70 جهة، وستتوسع الاتفاقات العام القادم لتشمل 300 جهة سياحية واقتصادية وصحية.
إلا أن العلاقة بين القطاع الخاص والعام في مثل هذه البرامج، ليست علاقة «خيرية» أو «مجانية». فالمنشآت الخاصة تسعى عبر هذه البرامج إلى تحقيق مكاسب تتجاوز العوائد المادية المباشرة. وهي أشبه «باستثمار في العلاقات»، يهدف إلى بناء شبكات قوية مع جهاز الدولة، أو الحصول على «ضمانات» للحصول على تسهيلات مستقبلية، وإعفاء من بعض القيود التنظيمية، وحتى أفضلية في المناقصات الحكومية.
كما أن الخصومات الظاهرية قد لا تكون بالضرورة حقيقية على أسعار تنافسية، بل على أسعار مضخمة أساساً. وتشكل هذه الخصومات، ولا سيما في الفنادق والمنتجعات، أداة تسويقية فعالة.
سيمتد «البرنامج» في مراحله اللاحقة ليشمل فئات أخرى هي ذوي الشهداء والمواهب الوطنية، مما يعزز شرعيته الاجتماعية. إلا أن غموض مفاهيم مثل «الانتماء» و«تحسين بيئة العمل» قد يفتح الباب للمحسوبيات والتمييز، خاصة في ظل غياب شفافية المعايير وعدم وضوح آليات تمويل البرنامج على المدى الطويل مع التوسع المخطط.
حيث يمثل «البرنامج» بصورته الحالية و«بطاقة تميز» نموذجاً للتداخل بين السياسات التحفيزية والأجندات السياسية. وبينما قد يحفز الأداء، فإنه يحمل مخاطر تعميق الفجوات داخل القطاع الحكومي واستخدام الموارد العامة (بما فيها الصحة) لمصلحة فئات «مميزة».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
فرح شرف