دمشق تختنق، والسيارات تبتلع الشوارع والأرصفة، فهل من منقذ؟!
وجود المواقف المأجورة التي تحجز جزءاً من الشوارع الرئيسية في العاصمة دمشق، كما السيارات التي اتخذت من الأرصفة مصفات، وحوّلها المتمادون إلى ملكيات خاصة بوضع عوارض وسلاسل معدنية، وغير ذلك من الأدوات لحجز مساحة لمصلحتهم الخاصة وإن كان ذلك مخالفاً، وما زلنا ننتظر المحافظة لاتخاذ إجراءات حيالها، وكل ذلك ليس بالجديد.
لكن الجديد، تزايد عدد السيارات التي تجوب شوارع المدينة وتلتهم أرصفتها في مشهدٍ بات كابوساً يومياً للمواطنين وسط ازدحامٍ خانق وضجيجٍ متواصل تعاني منه دمشق وسكانها!
فهذا العدد الهائل للسيارات جاء بسبب تدفق السيارات من المحافظات بعد الانفتاح النسبي الذي شهدته مدن البلاد إثر سقوط سلطة الأسد، كذلك بسبب قرار السلطة الجديدة بالسماح باستيراد السيارات دون شروط، في البداية، وبتخفيض الرسوم الجمركية، هذه الخطوة التي أغرقت البلاد بعدد كبير من السيارات، لكن لم تشهد هذه العملية تنظيماً حتى جاء الإدراك الحكومي متأخراً في 29 حزيران بإصدار قرار وقف استيراد السيارات المستعملة، مع بعض الاستثناءات، وتحديد شروط استيراد السيارات الجديدة.
والسؤال الذي يفرض نفسه: أما كان الأجدى دراسة القدرة الاستيعابية للمدن وخاصة دمشق ولبنيتها التحتية المتهالكة من شوارع ومرائب ومواقف، قبل أي إجراء؟!
فأمام هذا الواقع عمّت الفوضى وتحول الرصيف من ملاذ آمن للمشاة إلى مرائب للسيارات المتكاثرة، مع تكريس وجود نسق ثانٍ في غالبية الشوارع، مما جعل المواطن يواجه معاناة مضاعفة في البحث عن سبيل آمن يحفظ سلامته وسط بيئة خصبة للتلوث والحوادث، أمام أعين الجهات المعنية صاحبة السياسات الارتجالية التي تفاقم الواقع سوءاً.
ليأتي قرار المكتب التنفيذي في المحافظة بتاريخ 18/10/2025، بفرض غرامة مالية قيمتها 400 ألف ل.س كمخالفة لوقوف السيارات على الأرصفة، وهذا القرار على ضرورته ليس كافياً، ويبدو ترقيعياً أمام ضخامة المشكلة.
فرفع قيمة الغرامة لن يكون رادعاً كما ادعت المحافظة لأنه لا يخلق مساحات إضافية ولا يعالج جذر الأزمة المتمثلة بعدم التوازن بين عدد السيارات والبنية التحتية للمدينة، وعليه سيبقى الرصيف مباحاً قسراً، ولن يعود هكذا لأصحابه!
وبهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن السوق والشوارع تعاني من تكدس عدد كبير من السيارات القديمة والمتهالكة، هذا الأسطول القديم الذي يعمل على استهلاك كميات كبيرة من الوقود ويلوث البيئة، ناهيك عن تكاليف الصيانة المرتفعة وغير المجدية والمرهقة للمستهلك والدولة، وربما آن أوان تنسيقها وإلزام أصحابها بتسليمها لمعمل حديد حماة، مع فرصة استبدالها بأخرى جديدة مرتبطة بحوافز جمركية.
وهذا طبعاً لا ينفي ضرورة العمل على وضع خطة طارئة لتوسيع وتطوير البنية التحتية للطرق والمرائب والأرصفة في دمشق وغيرها من المدن التي تعاني من ضعف ومشكلات في الطرق والشوارع وأرصفة المشاة، بما في ذلك خدمات النقل العام، فعملها بشكل فعال يجذب المواطنين لتقليل الاعتماد على سياراتهم الخاصة.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن المطلوب اليوم كان مطلوباً بالأمس، ويحتاج وقتاً وأموالاً دون أدنى شك، ولكن الاستمرار بالمماطلة والتأخير، باعتماد سياسة «السين وسوف» سيضاعف التكلفة الاقتصادية والاجتماعية.
فما يجري في دمشق اليوم هو نموذج فاضح عن سوء إدارة الملفات الكبرى وغياب الرؤية التخطيطية طويلة الأمد، والحلول الضرورية ليست ترفاً، بل قد تكون منقذاً وضرورة للحفاظ على حياة المواطن آمناً وسالماً، وإلا ستختنق المدينة إلى الحد الذي لا رجعة فيه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1258
منية سليمان