الميزان التجاري... نمو معلن يكشف عجزاً متفاقماً

الميزان التجاري... نمو معلن يكشف عجزاً متفاقماً

تكشف بيانات مكتب الإحصاء التركي عن تدفق متزايد للسلع التركية إلى السوق السورية، حيث ارتفعت الواردات بنسبة 50%، من 1,8 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، إلى 2,7 مليار دولار حتى تشرين الأول. وتشير تقديرات موقع «المجلس الأطلسي» الأمريكي إلى أن البضائع التركية تستحوذ على نحو 30–40% من الأسواق السورية.

في المقابل، لم تتجاوز الصادرات السورية إلى تركيا 160 مليون دولار، مسجلة انخفاضاً بنسبة 46% مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس وصول العجز التجاري مع تركيا إلى مستويات مقلقة، تُقدّر بنحو 2,54 مليار دولار.
وبالاستناد إلى بيانات مكتب الإحصاء الأردني، يلاحظ أيضاً ارتفاع كبير في الواردات الأردنية إلى سورية، إذ ارتفعت منذ تموز من 149,2 مليون دولار إلى 245,42 مليون دولار، مقابل صادرات سورية بلغت 101,55 مليون دولار فقط، ما يعني عجزاً يقارب 144 مليون دولار.

مؤشر جزئي للعجز التجاري


وتجدر الإشارة إلى أن قراءة الميزان التجاري الواردة في هذا التحليل تستند حصراً إلى العلاقات التجارية مع دولتين حدوديتين هما تركيا والأردن، باعتبارهما مؤشراً دالاً على اتجاهات الاختلال التجاري، ولا تشمل واردات المشتقات النفطية أو القمح أو غيرها من السلع الاستراتيجية المستوردة من دول ومصادر أخرى، والتي من شأنها تعميق حجم العجز الفعلي.

اختلال في هيكل الصادرات


لا تتوافر بيانات رسمية حول قيمة الصادرات خلال النصف الثاني من العام، إلا أنه في حال افتراض استمرار النمو المسجل في النصف الأول والبالغ 39%، فإن إجمالي الصادرات السنوية لن يتجاوز 816 مليون دولار، أي ما يعادل 13,8% فقط من قيمة الواردات المقدّرة بنحو 5,9 مليارات دولار، ما يعني أن كل دولار من الصادرات يقابله 7,2 دولارات من الواردات.
ولا تزال القطاعات التصديرية محدودة وضعيفة، تتركز في صناعات بسيطة ومواد غذائية ومنتجات زراعية ذات قيمة مضافة منخفضة، رغم أهميتها النسبية. كما تعكس الأرقام تركّز العجز التجاري مع دولة واحدة بشكل أساسي، هي تركيا، ما يكشف عن هشاشة بنيوية في الاقتصاد المحلي.
فرغم أن التبادل التجاري الإقليمي والدولي يُعد ضرورة للنمو الاقتصادي، إلا أن الاعتماد المفرط على مصدر واحد للواردات يمثل نقطة ضعف جوهرية، إذ يشير التركّز الجغرافي للعجز إلى غياب التنوع في مصادر الاستيراد وضعف إدارة المخاطر الاقتصادية. وبدلاً من توزيع المخاطر على عدة أسواق، يجري تكثيفها في سوق واحدة، ما يزيد من احتمالات التعرض للصدمات الخارجية.

تحديات القطاع الإنتاجي


أدى تدفق السلع المستوردة وهيمنتها على الأسواق المحلية خلال الأشهر الماضية إلى إغلاق العديد من المصانع والورش، وفقدان آلاف فرص العمل، وارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 60%، بحسب تصريحات وزير الاقتصاد.
وساهم غياب الدعم الحكومي، سواء عبر سياسات حمائية أو برامج دعم إنتاجية، في تعميق الأزمة. فمع نقص الكفاءات المدرّبة، وصعوبة الحصول على التمويل، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتضرر البنية التحتية، يعجز المنتج المحلي عن المنافسة في ظل سياسة «السوق المفتوح» التي تروج لها الحكومة، خاصة وأن السلع المستوردة تتمتع بمزايا تنافسية كبيرة، ودعم حكومي في بلدان منشئها، وتكنولوجيا إنتاج متقدمة تخفّض التكاليف وترفع الكفاءة.
وتتجاوز آثار الاعتماد المفرط على الاستيراد الضغوط الآنية، لتتحول إلى تحديات هيكلية تعيق التنمية الاقتصادية على المدى الطويل. فإلى جانب تقليص حصة المنتج المحلي في السوق، يؤدي هذا النمط إلى تركيز الاقتصاد في قطاعات أولية محدودة، تُستخدم عائداتها لتمويل الواردات، ما يعيق تنويع مصادر الدخل الوطني.

لا توازن دون إنتاج


إن معالجة العجز التجاري لا تُقاس بتقليص الفجوة بين الصادرات والواردات فقط، بل بقدرة الاقتصاد على الانتقال من الاعتماد على الخارج إلى تعزيز الإنتاج، ثم التصدير والمنافسة. ويتطلب ذلك إطلاق برامج دعم حقيقية للإنتاج المحلي، قادرة على خلق فرص عمل، وتنويع مصادر الدخل، والعمل على إحلال الواردات بمنتجات محلية ذات جودة عالية.
كما يستدعي الأمر مراجعة سياسة الإعفاءات الجمركية الواسعة، في ظل تضارب التقديرات وغياب الشفافية حول الإيرادات المحققة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن الإيرادات الجمركية لا تتجاوز 200 مليون دولار، أي ما يعادل نحو 3% فقط من قيمة الواردات.
وفي ظل غياب خطة إنتاجية متكاملة حتى الآن، ستبقى سورية عالقة في حلقة مفرغة من الاعتماد على الاستيراد والمساعدات، مع إعادة إنتاج الفقر وتهميش شرائح واسعة من المجتمع، غير قادرة على الإسهام الفعلي في مسار التنمية الاقتصادية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1256