تصاعد الفجوة بين الأرقام الرسمية والواقع... تصريحات حاكم المصرف المركزي حول التضخم وسعر الصرف

تصاعد الفجوة بين الأرقام الرسمية والواقع... تصريحات حاكم المصرف المركزي حول التضخم وسعر الصرف

في مقابلة مع قناة العربية Business نُشرت في كانون الأول 2025، صرح عبد القادر حصرية، حاكم مصرف سورية المركزي بأن الاقتصاد السوري شهد تحسناً ملحوظاً خلال الفترة الماضية، حيث انخفض معدل التضخم من 170% إلى نحو 15%، وتحسن سعر صرف الليرة مقابل الدولار بنسبة 30%. واعتبر الحاكم أن هذه التطورات نتيجة «الانضباط المالي» ووقف «سياسة تمويل العجز المالي بطباعة النقود»، إضافةً إلى خطوات إصلاحية أخرى تتضمن فتح حساب لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وإعادة تأهيل القطاع المصرفي.

لكن تحليل الواقع الاقتصادي السوري يشير إلى فجوة واضحة بين هذه الأرقام المعلنة وبين الظروف المعيشية الحقيقية للمواطنين، ما يستدعي تفنيد الادعاءات وتقديم سياق أعمق.


التضخم... تباطؤ وليس انخفاضاً حقيقياً


رغم تصريح الحاكم حول انخفاض التضخم إلى نحو 15%، تكشف البيانات الرسمية والميدانية عن واقع مختلف:
وفق تقرير البنك المركزي السوري ومؤشرات CPI، بلغ التضخم السنوي خلال فترات عام 2024– 2025 نحو 36,8%، أي إنه لا يزال مرتفعاً جداً مقارنة بالمستويات المقبولة عالمياً.
حتى لو صح انخفاض المعدل السنوي في بعض الشهور إلى نحو 15%، فإن هذا يشير إلى تباطؤ في ارتفاع الأسعار وليس انخفاضاً حقيقياً أو استعادة للقدرة الشرائية.
فالأسعار الفعلية للسلع الأساسية والخدمات (الغذاء- الإيجار- النقل...) لا تزال مرتفعة، ما يجعل «انخفاض التضخم» نسبياً لا ينعكس على حياة المواطنين اليومية.
فإذا كانت أسعار المواد ترتفع 100% في سنة ما، ثم تباطأ التضخم ليصل إلى 36%، فهذا يعني أن الأسعار ما زالت أعلى بكثير من القدرة الشرائية للمواطن، رغم التراجع النسبي في معدل الزيادة.


سعر الصرف... تحسن رسمي مقابل واقع السوق


ادعاء حصرية تحسن سعر الليرة بنسبة 30% يجب وضعه في السياق الصحيح:
السعر الرسمي لليرة سجل نحو 11,000 ليرة لكل دولار، بينما السعر الفعلي في السوق الموازية تجاوز 12,000 ليرة.
الفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازية تشير إلى ضعف الثقة في الليرة واستمرار المضاربات، كما أن الاستقرار النسبي في السعر الرسمي لا يعكس نشاطاً اقتصادياً حقيقياً أو زيادة في الإنتاج المحلي.
والنتيجة أنه حتى إذا انخفض معدل التضخم أو تحسن سعر الصرف الرسمي، فإن غالبية السوريين لا يشعرون بأي تحسن ملموس في القدرة الشرائية أو استقرار الأسعار.

واقع الاقتصاد السوري... هشاشة مستمرة

البيانات الاقتصادية والواقع الميداني يؤكدان استمرار هشاشة الاقتصاد السوري:
الأجور الرسمية... راتب حكومي بحدود 850,000 ليرة سورية (يقارب 70 دولاراً)، لا يغطي تكاليف المعيشة الأساسية.
ارتفاع تكاليف الإيجارات والسلع... شقة صغيرة في ريف دمشق لا يقل إيجارها عن مليوني ليرة سورية، مع استمرار ارتفاع أسعار الغذاء والخدمات.
اعتماد الاقتصاد على موارد مؤقتة... تحويلات الخارج وعودة بعض اللاجئين، مع استمرار ضعف الإنتاج المحلي في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.


المؤشرات الجزئية لا تعكس الواقع المعيشي الفعلي


تصريحات حاكم مصرف سورية المركزي حول «انخفاض التضخم وتحسن سعر الصرف» تعكس بعض المؤشرات الجزئية، لكنها لا تعكس الواقع المعيشي الفعلي للسوريين.
فالأرقام الرسمية ربما تُظهر تحسناً نسبياً في بعض المؤشرات النقدية، لكنها لا تترجم إلى زيادة فعلية في القوة الشرائية أو تحسين مستوى المعيشة.
والفجوة بين السعر الرسمي والسوق الموازية، وارتفاع تكاليف السلع الأساسية، واستمرار انخفاض الدخل الفعلي، كلها عوامل تؤكد أن الاقتصاد السوري لا يزال في حالة هشاشة.
أي تقييم حقيقي للوضع الاقتصادي يجب أن يأخذ في الاعتبار: المعايير المعيشية الفعلية- الدخل الحقيقي- وفجوة الأسعار بين السوق الرسمية والموازية، وليس مجرد معدلات التضخم الرسمية أو أسعار الصرف الرسمية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1256