لاجئون أقل... أزمة مستمرة... اللجوء السوري في ميزان 2025

لاجئون أقل... أزمة مستمرة... اللجوء السوري في ميزان 2025

في سابقة غير مألوفة كسرت البروتوكول المعتمد في واشنطن، صدرت الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي بلا خطاب رئاسي يعلن ملامحها، ولا مؤتمر صحفي يفسّر توجهاتها كما جرت العادة لعقود. وهو ما قد يشير إلى وجود خلافات داخلية حول مضمونها بين تيارات الإدارة الأمريكية المختلفة. مع ذلك، أحدثت الوثيقة وقعاً صاعقاً على حلفاء الولايات المتحدة، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، الذي جاءت مخاطبة إياه بلغة تجمع بين التأنيب والتوجيه. ورأى كثير من المحللين أن هذه الوثيقة قد تكون البداية العملية لنهاية الناتو بشكله التقليدي.

أظهرت بيانات وكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي، الصادرة في 8 أيلول 2025، أنّ طلبات اللجوء المقدّمة من سوريين إلى دول EU+ (أي: دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الدول المرتبطة في منظومة اللجوء مثل النرويج وسويسرا) قد شهدت انخفاضاً حاداً وغير مسبوق منذ نهاية عام 2024.
ووفقاً لبيان الوكالة، فقد سجّل السوريون خلال النصف الأول من عام 2025 نحو 25 ألف طلب لجوء فقط، أي انخفاض بنسبة تقارب 66٪ مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. كما وصف تقرير آخر للوكالة شهر شباط 2025 بأنه «أحد أدنى الأشهر منذ أكثر من عقد»، إذ لم يتجاوز عدد الطلبات 5 آلاف طلب.


من 16 ألف طلب إلى 3,500 فقط خلال عام واحد


بحسب تحديثات الوكالة وتقارير إعلامية معتمدة على بيانات EUAA، فقد تراجع عدد الطلبات السورية المسجلة شهرياً من نحو: 16,000 طلب في تشرين الأول 2024
إلى 3,500 طلب فقط في أيلول 2025، وهو انخفاض وصفته الوكالة بأنه «تحوّل جذري في أنماط اللجوء السورية في أوروبا».
ورغم هذا الانخفاض الكبير، تؤكد البيانات أنه حتى نهاية أيلول 2025 كان هناك 110,000 ملف لجوء لسوريين لا يزال قيد الانتظار على مستوى الاتحاد، ما يعني أن تأثير الانخفاض لن يظهر كاملاً على أنظمة اللجوء قبل أشهر أو سنوات.


تغيّرات في سورية وتعديلات في المعايير الأوروبية


بعد التطورات السياسية الكبيرة في سورية وسقوط سلطة النظام السابق في أواخر 2024، أصدرت EUAA في كانون الأول 2025 إرشادات محدثة لتقييم طلبات الحماية من سورية.
هذه الإرشادات، المعروفة باسم التوجيه القطري Country Guidance، شكّلت أساساً جديداً لكيفية تقييم طلبات الحماية.
ولخّصت الوكالة موقفها بقولها إن «الوضع في سورية تغيّر بصورة عميقة»، لكنها شدّدت في الوقت نفسه على أن عدداً من الفئات السورية لا تزال بحاجة إلى حماية دولية، من بينها؛ العاملون السابقون في مؤسسات النظام السابق- الأقليات الدينية والعرقية (المسيحيون، العلويون، الدروز)... الفلسطينيون في سورية.


انخفاض الطلبات لا يعني أن السوريين أصبحوا آمنين


تؤكد الوكالة في بيانها أن الأرقام وحدها ليست مؤشراً على أنّ سورية أصبحت آمنة.
فالمشهد الأمني لا يزال متقلباً في عدة مناطق، ويستمر وجود مخاطر «العنف العشوائي» والفوضى الأمنية، إضافة إلى عدم توفر ضمانات حقيقية للسلامة لدى الفئات المستهدفة.
بل إن جزءاً من انخفاض الطلبات مرتبط مباشرة بالسياسات الأوروبية الداخلية، وليس بتغيّر الوضع السوري فقط.
فعدد من دول الاتحاد الأوروبي اتخذ خلال 2025 سياسات أكثر تقييداً في:
تسجيل طلبات السوريين.
منح حق اللجوء.
أو معالجة الملفات المتراكمة.
وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى تراجع الأعداد المسجلة رسمياً.
كما أن تحديث التوجيهات الأوروبية الجديدة أعاد تفسير معايير «الخطر الفردي»، وخفّض نطاق الفئات المستفيدة من الحماية الإنسانية، ما أدى مباشرة إلى خفض الطلبات المقبولة أو المقدمة أصلاً.


ملف اللجوء لا يطوى إلا من خلال الحل السياسي


إنّ التراجع الملحوظ في طلبات اللجوء السورية داخل أوروبا خلال عام 2025، رغم أهميته الرقمية والسياسية، لا يمكن اعتباره نهاية لواحد من أعقد ملفات النزوح في العصر الحديث.
فالأرقام وحدها لا تعبّر عن حقيقة استمرار التحديات الأمنية والإنسانية في سورية، ولا تعكس واقع الملايين الذين ما زالوا في حاجة إلى حماية فعلية.
وفي هذا السياق، يصبح من الضروري التأكيد على أن ملف اللجوء السوري لا يمكن أن يُطوى بصورة نهائية إلا من خلال حلٍّ سياسي شامل، يضمن حقّ السوريين في تقرير مصيرهم- استعادة وحدتهم الوطنية- واحترام السيادة الكاملة للبلاد، أرضاً وشعباً.
عبر هذا المسار فقط، يمكن أن تتبدّل جذور الأزمة، ويتحول النزوح القسري من واقع مستمر منذ أكثر من عقد، إلى صفحة تُطوى بكرامة وعدالة، وليس بمجرد انخفاض في الإحصاءات أو تغييرات في السياسات الأوروبية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1255