قطاع الاتصالات على أعتاب التبعية التقنية
تبدو «السيادة» في قطاع الاتصالات سلعة قابلة للتفاوض؛ تُعرض للبيع لمن يدفع أكثر، بينما يتحول المواطن من صاحب حق إلى مجرد «رهينة» للأسعار. والغريب أن الوزارة، بدلاً من أن تستعيد دورها الذي نخره الفساد والمحسوبيات والاختلاس في هذا القطاع الحيوي، تستكمل التحول إلى وسيط تسهيلي لتمرير صفقات قد تُفقد الدولة سيطرتها على أحد أهم وأخطر القطاعات.
بين السيادة والربحية
من المفترض أن قطاع الاتصالات هو حجر زاوية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة لاقتصاد مدمر، وأداة لضمان الأمن القومي، إلا أن السلطة ممثلة بوزارة الاتصالات تتعامل معه على أنه خدمة ترفيهية.
وتحت شعارات «الشراكة» و«الاستثمار» و«تحسين الخدمات»، وبالطبع «تحرير السوق»، تتجه نحو خصخصة كامل القطاع، وليس على مستوى شركات الخليوي فقط.
ففي يد ترفع شعارات السيادة الوطنية، وباليد الأخرى نجدها تفتح الأبواب أمام الاحتكارات العالمية ذات السجلات المشبوهة، مع الاستمرار في منح شركتيّ الخليوي– إم تي إن وسيريتل– قوة سوقية هائلة، تمنحهما القدرة على تحديد أسعار باهظة لقاء الخدمات، والتحكم في جودتها.
بداية التغلغل الأجنبي؟
التقى وزير الاتصالات، عبد السلام هيكل، في تشرين الأول، مع شركة «أورانج» الفرنسية، ضمن خطة الوزارة للعمل حسب تعبيره في منشور له على منصة «إكس»، «مع أكبر شركات الاتصالات، وحل التحديات القانونية والتنظيمية المعيقة لاستثمارها في القطاع.» ووعد بأن خدمات الخليوي والإنترنت «على أعتاب تحول جذري مع بداية 2026.»
وهو تحول جذري فعلاً إن دخلت «أورانج» على السوق السورية، حيث يحفل تاريخها بقضايا الفساد والاستغلال.
فمثلاً، تحتكر «أورانج» قطاع الاتصالات في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتتحكم في الجودة إلى درجة اتهامها بتعطيل الخدمات عن المنظمات الإنسانية وقوات الأمن، ويضمن لها هذا الاحتكار عدم تمكن أي مزود محلي من التدخل.
أورانج... سجلٌّ حافل
منذ خصخصة الشركة الفرنسية في العام 1998، شرعت الإدارة في حملة لتخفيض تكاليف العمالة، وصفها القضاء الفرنسي بأنها «نظام مضايقة معنوية» للموظفين. وفي عام 2019 سُجن الرئيس التنفيذي ديدييه لومبارد، ومعه اثنين من المدراء التنفيذيين في فرنسا، على خلفية انتحار 19 موظفاً في مطلع الألفية، لتقرر المحكمة في وقت لاحق دفع الشركة تعويضات لأهالي الموظفين بقيمة 3,5 مليون يورو.
غُرّمت الشركة أيضاً في العام 2011 بمبلغ 27,6 مليون يورو لمنعها المنافسة في السوق في جزيرة ريونيون والأقاليم الفرنسية ما وراء البحار. بالإضافة إلى تغريمها مرة أخرى في فرنسا بمبلغ 350 مليون يورو في العام 2015 لاستغلال هيمنتها على السوق ومنع العملاء من التحول إلى شركات منافسة.
وفي منتصف كانون الأول 2024، دفعت الشركة غرامة قدرها 53 مليون يورو، لإرسالها إعلانات مشبوهة إلى العملاء، بينما تعرض 850 ألف مستخدم بلجيكي لهجوم إلكتروني واختراق للبيانات في 20 من آب هذا العام.
أما في الأردن، وهو الوسيط الذي يبدو أن الشركة ستدخل من خلاله، تواجه الشركة منذ العام 2019، اتهامات نشرتها «إمباكت الدولية لسياسات حقوق الإنسان»، حول انتهاك خصوصية المستخدمين، وجمع معلومات وصفت بأنها عالية السرية.
السؤال الجوهري
سواء توصلت الوزارة لاتفاق مع شركة «أورانج» أو غيرها من «كبرى» الشركات للدخول، والواقع احتكار السوق السورية، يبقى السؤال، هل يمكن للدولة أن تحافظ على سيادتها الوطنية والاقتصادية وهي تقوّض الأمن المعلوماتي وتبيع حصصاً لشركات تتبع لمراكز قرار خارجية، وتاريخها حافل بممارسات استغلالية وانتهاكات للعمال؟
فإن كان الوزير لا يدري تاريخ هذه الشركة وغيرها فتلك مصيبة، وإن كان يدري فتلك مصيبة أعظم!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1255
سارة جمال