الأكشاك «الحضارية...» مزيدٌ من المشاريع لذوي الدخل «غير» المحدود
سارة جمال سارة جمال

الأكشاك «الحضارية...» مزيدٌ من المشاريع لذوي الدخل «غير» المحدود

أطلقت محافظة دمشق الشهر الماضي مشروعاً لتنظيم أكشاك «حضارية» متنوعة بعدد 222، مخصصة حسب زعمها لذوي الدخل المحدود والمشاريع الصغيرة وذوي الإعاقات.

لكن «المشروع» يُظهر تناقضاً صارخاً بين الأهداف المعلنة وشروط وآليات التنفيذ؛ ففي حين توقّع المتقدمون في المحافظة شروطاً بسيطة ورسوماً تراعي قدراتهم، خاصة وأن المشروع موجّه لهم، إلا أنهم اصطدموا بواقعٍ مغاير تماماً، بل وبدا مشروع بسيط مثل الأكشاك حكراً على المقتدرين، ليصبحوا هم خارج السوق والحسابات بالكامل.


آليات غريبة ومجحفة


تعتمد آلية توزيع الأكشاك على ما يبدو أنه «مزاد تنافسي»، ما يضرب الهدف المعلن في الصميم؛ حيث تفضل هذه الآلية أصحاب رؤوس الأموال، ويصبح «الفوز» بكشك رهناً بالقدرة على تقديم أعلى عرض مالي للمحافظة، ويتحول الحديث عن توفير فرص عمل لأصحاب الدخل المحدود وذوي الإعاقة إلى شعارات فارغة.
كما أن الشروط المالية تبدو مصممة لإقصاء ذوي الدخل المحدود وليس دعمهم؛ حيث «تبيع» المحافظة دفتر الشروط بمبلغ 500 ألف ليرة (42 دولار)، وهذا المبلغ، الذي لا يُسترد في حال رُفِض عرض المتقدم، يشكل بحد ذاته حاجزاً كبيراً أمام أي بائع بسيط، فكيف بمواطن يكافح لتأمين قوت يومه أن يدفع مقابل «دفتر» ما يقارب 67% من أجره الشهري؟!
وإذا عبَرَ المواطن الصدمة الأولى، سيفاجأ بأن الحد الأدنى لبدل الإشغال السنوي يصل إلى 10 ملايين ليرة، بل إن بعض المزايدات في محافظة أخرى (اللاذقية) وصلت ضمن مشروع تنظيم الأكشاك إلى 160 مليون ليرة؛ أي أكثر من 13,000 دولار!؛ هذا الرقم مقارنة بما كان يدفعه أصحاب البسطات للبلديات سابقاً (175,000 ليرة)، يمثل قفزة هائلة وغير مبررة، ويحول المشروع من فرصة إلى عبء اقتصادي، وحلم بعيد المنال بالنسبة للغالبية العظمى من المتقدمين.


مشاريع «تنموية» نتيجتها إفقار إضافي


تتجاهل المحافظة أن الفئات التي تدعي استهدافها، قد حُمّلت تكاليف لا يمكن بأي حال من الأحوال التكيّف معها، ما سيدفع بهم نحو مزيد من الفقر؛ فالمشكلة لا تقتصر على آلية المزاد، والرسوم المرتفعة، بل تشمل تكاليف باهظة أخرى، مثل تكاليف البناء، وتركيب منظومة طاقة شمسية، وصيانة الكشك وتشغيله، ما حوّل المشروع من آلية عادلة إلى أداة تخدم مصالح رؤوس الأموال وتكافئ القادرين مالياً.
وما يهدف «ظاهرياً» إلى تنظيم الأنشطة التجارية، وتوفير فرص عمل، وتحسين المظهر العام للمدينة، قد يفتح الباب، بسبب غياب القدرة الاستيعابية والتكاليف المبالغ فيها، أمام سوق سوداء للأكشاك، ويقدم فرصة للمتنفذين والمقتدرين للاستحواذ على الأكشاك واستثمارها، ثم تأجيرها بأسعار باهظة. ما سيُفرغ المشروع من أهدافه، ويجعله أداة لتعميق الفساد، وإثراء فئة قليلة على حساب إفقار الكثيرين.


العدد لا يكفي حاجة السوق


يُغفل عدد الأكشاك المخصصة الحجم الهائل لظاهرة البسطات العشوائية، وأنها تعكس أبعاداً اجتماعية واقتصادية أعمق من مجرد كونها مشكلة تنظيمية، وبالتالي فإن الحلول الجزئية، والتي تفتقر إلى معايير تفضيلية واضحة للفئات المستهدفة، قد تزيد الأمور سوءاً.
ففي ظل محدودية الأكشاك، واستحالة تقديم عروض مالية «تُرضي» المحافظة، سيضطر الباعة إلى الاستمرار في عرض بضاعتهم بشكل عشوائي، أو التوقف عن العمل كليّاً، ما سيفاقم المشاكل الحالية. ويصبحون أمام خيارات محدودة، فإما الاقتراض والدخول في دوامة الديون، أو التخلي عن المشروع والعودة إلى النشاط العشوائي، أو الأسوأ، ترك العمل تماماً والانضمام إلى جيش العاطلين.


إعادة تقييم


يكرّس المشروع في وضعه الحالي الإقصاء الاجتماعي تحت شعارات «التنظيم والتمدّن»، ويحتاج إلى مراجعة
جذرية تتبنى معايير اجتماعيةً لا ماليةً بحتة؛ عبر تخفيض الرسوم والتكاليف الأولية، وتخصيص الحصص بأسعار رمزية للفئات محدودة الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة. بالإضافة إلى العمل على توفير عدد أكبر من الأكشاك يتناسب وحجم الحاجة.
فلا بد من تقييم تأثير أي مشروع على الفئات المستهدفة قبل التنفيذ، فنجاح أي مشروع يُقاس بقدرته على تحسين حياة المواطنين، وليس تحقيق أعلى عوائد مالية للدولة من جيوبهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1251